للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ملبّبتين كانتا بزعفران فقد نفضتا، ومعه عسيب نخلة مقشور غير خوصتين من أعلاه، وهو قاعد القرفصاء، فلمّا رأيت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، متخشعًا في الجلسة أُرعدتُ من الفَرَق، فقال جليسه: يا رسول الله، أُرعدت المسكينة، فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينظر إليّ وأنا عند ظهره: يا مِسْكينَةُ عَلَيْكِ السّكينَة (١)، فلمّا قالها رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أذهب الله ما كان أدخل قلبي من الرعب.

وتقدم صاحبي أوّل رجل، فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه، ثمّ قال: يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء لا يجاوزها إلينا منهم إلّا مسافر أو مجاور، فقال: يا غُلامُ اكتُبْ لَهُ بالدّهْنَاءِ (٢).

فلمّا رأيته أمر له بأن يَكْتُبَ له بها شُخص بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول الله إنّه لم يسألك السويّة من الأرض إذ سألك، إنّما هذه الدهناء عندك مُقيّد الجمل ومرعى الغنم، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك! فقال: أمْسِكْ يا غُلامُ، صَدَقَتِ المِسْكينَةُ، المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ يَسَعُهُما المَاءُ وَالشّجَرُ ويَتَعاوَنَانِ عَلى الفَتّانِ.

فلمّا رأى حُريث أن قد حيل دون كتابه ضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: كنت أنا وأنت كما قيل: "حَتْفها تَحْمِل ضأنٌ بأظلافها (٣) " فقلت: أما والله إن كنت لَدليلًا في الظلماء، جوادًا بذي الرحل، عفيفًا عن الرفيقة، حتى قدمتُ على رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لا تلُمني على حظّي إذ سألتَ حظّك، فقال: وما حظّك في الدهناء لا أبا لك؟ فقلت: مقيّد جملي تسأله لجمل امرأتك! فقال: لا جرم إِنِّي أُشْهِد رسول الله أَنِّي لك أخ ما حييت إذ أثنيت هذا عليّ عنده، فقلت: إذ بدأتَها فلن أضيّعها، فقال رسولُ الله، - صلى الله عليه وسلم -: أيُلامُ ابنُ ذِهِ


(١) الصالحي ج ٦ ص ٥٣٠ نقلًا عن ابن سعد.
(٢) الصالحي ج ٦ ص ٥٣٠ نقلًا عن ابن سعد.
(٣) مثل يضرب لمن يوقع نفسه في هلكة. جاء في مجمع الأمثال للميداني ج ١ ص ١٣٩: إن هذا المثل لحريث بن حسان الشيباني تمثل به بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيلة التميمية. وكان حريث حملها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله إقطاع الدهناء ففعل ذلك رسول الله، فتكلمت فيه قيلة فعندها قال حريث: كنت أنا وأنت كما قيل حتفها تحمل ضأن بأظلافها.