للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شيئًا وإن هو مَرِضَ عَادَهُ، فكانوا يتهمونه بالقدر لهذا وشِبْهه، وكان يصلّي الليل أجمع ويجتهد في العبادة، ولو قيل له إن القيامة تقوم غدًا ما كان فيه مزيد من الاجتهاد (١).

وأخبرني أخوه قال: يصوم يومًا ويُفْطِرُ يومًا، فوقعت الرَّجْفَةُ بالشام، فَقَدِم رجل من أهل الشام فسأله عن الرجفة؛ فأقبل يحدّثه وهو يستمع لقوله، فلما قضى حديثه - وكان ذلك اليومُ يومَ إفطاره - قلت له - قم تَغَدّ. قال: دعه اليوم، قال: فَسَرَد من ذلك اليوم إلى أن مات. وكان شديد الحال، يَتَعَشَّى بالخبز والزيت، وكان له طيلسان وقميص، فكان يشتو فيه ويُصَيِّف، وكان من رجال الناس صرامة وقولًا بالحق، وكان يتَشَبَّب في حداثته حتى كبر وطلب الحديث، وقال: لو طلبته وأنا صغير كنت أدركت مشايخ فَرّطتُ فيهم، وكنت أتهاونُ بهذا الأمر حتى كبرت وعقلت، وكان يحفظ حديثه كله، لم يكن له كتاب، ولا شيء ينظر فيه، ولا له حديث مثبت في شيء (٢).

قال: وسألت سَلَامَةَ أُمَّ وَلَدِه، أَلَهُ كتب؟ قالت: لا، ما له كتاب واحد.

قال: وأول يوم جئته أنا وأخي شملة انقلبنا من الكُتّاب، فعمدت أمي إلينا فألبستنا ثيابًا، وأخذت دفترًا لي قد كتبت فيه بعض أحاديث ابن أبي ذئب، فجئته فقرأت عليه قراءة رديئة وخط ردئ، فتتعتعت فيه، قال: فضجر وأخذ الدفتر فطرحه، فقال: صبيان لا يحسنون شيئًا، قوموا عنا فقمنا، فلما كان الغدُ وانقلبنا من الكتاب، قالت أمي: اذهبوا إلى ابن أبي ذئب. فأما أخي شملة فحلف ألا يذهب إليه، وأما أنا فذهبت إليه، فحين رآني قال: تعال تعال اذهب إلى فلان فخذ منه كتابه وتعال. قال: فصبرني حتى فرغت منه كله، قال: فعرفت أنه يريد به الله. قال: ثم عاد إليه أخي بعد، وكنا نختلف إليه كلانا ثم لم يخرج من الدنيا حتى سمعتها منه سماعًا مما يرددها، وحتى صار إذا شكّ في حديث التفت إليّ فقال: ما تقول في كذا وكذا، كيف حدّثتك؟ فأقول: حدّثتنا به كذا وكذا، فيرجع إلى قولي.


(١) أورده المزي ج ٢٥ ص ٦٣٦، والذهبى في سير أعلام النبلاء ج ٧ ص ١٤١.
(٢) المصدر السابق.