للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُسْأل أن يحدّث فيأبَى ويقول: أحدّث وأبي حيّ؟ إلّا الخاصّة به في الحديث بعد الحديث. وكان بارًّا بأبيه معظّمًا له هائبًا له. قال: رأيتُه يومًا وقد أصابته الخاصرة (١) وإنّه على الباب لجالس ينتظر أن يأذن له أبوه فينصرف، وإنّه لمبلغ من الخاصرة حتى خرج رسول أبيه فقال: انْصرفْ، فانصرف. قال: فقلت له: لو ذهبتَ. قال: سبحان الله! إذًا جاء حدّ الضرورة. قال: لو مكثتُ كم ما شاء الله لا يأذن لي ما ذهبتُ حتى يأذن لي. قال: وكان في محمد بن عبد الرحمن خصال لا تستغنى عن واحدة منهنّ، الخصلة منهنّ تكون في الرجل فيكون من الكَمَلَة: قراءةُ القرآن وقراءة السنّة والعربية والعروض والحساب ووضع الكتب في البَرَوات والسجلّات وأذْكار الحقوق.

قال محمد بن عمر: سمعتُ محمد بن عمران الطلحي قاضينا وأُتي بكتاب يُقْرأ عليه فقال: اعْرض على محمد بن عبد الرحمن، فقيل: لا. فقال: اذْهب به فاعْرضه عليه ثمّ جئني به. قال: وكان أعلم الناس بحساب القسم والفرائض وبحسابها وبقسمها وبالحديث إتقانًا له ومعرفة به.

أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرني سليمان بن بلال قال: ما رأيتُ أحدًا يجترئ على زيد بن أسلم فيقول له: أسمعتَ؟ غير محمد بن عبد الرحمن فإنّي سمعته يقول لزيد بن أسلم: سمعت يا أبا أسامة.

قال محمد بن عمر: وكان محمد بن عبد الرحمن من أبرّ الناس بأبيه، وكان أبوه يكون في الحلقة وهو متأخّر عنها فيقول أبوه: يا محمد. فلا يجيبه حتى يثب فيقوم على رأسه فيلبّيه، فيأمره بحاجته فلا يستثبته هيبةً له حتى يسأل من فهم ذلك عن أبيه فيخبره.

أخبرنا محمد بن عمر قال: كان محمد بن عبد الرحمن مع أبيه عبد الرحمن بن أبي الزناد ببغداد فمات بعد أبيه بإحدى وعشرين ليلة، سنة أربعٍ وسبعين ومائة، وهو يوم مات ابن سبعٍ وخمسين سنة. ودُفنا جميعًا في مقابر باب التبن. لم يحدّث عنه أحد إلّا محمد بن عمر.

* * *


(١) لدى ابن الأثير في النهاية (خصر) ومنه الحديث "فأصابني خاصرة" أي وجع في خَاصِرَتي. وقيل: إنه وجع في الكُلْيَتَين.