للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والبصرة تُسمّى يومئذٍ أرض الهند فينزلها ويتّخذ بها للمسلمين قيروانًا ولا يجعل بينى وبينهم بحرًا، فدعا سعد بن أبي وقّاص عُتبة بن غزوان وأخبره بكتاب عمر فأجاب وخرج من الكوفة في ثمانمائة رجل، فساروا حتّى نزلوا البصرة، وإنّما سُمّيت البصرة بصرةً لأنّها كانت فيها حجارة سود.

فلمّا نزلها عُتبة بن غزوان ضرب قيروانه ونزلها وضرب المسلمون أخبيتهم وخيامهم، وضرب عُتبة بن غزوان خيمة له من أكسية ثمّ رمى عمر بن الخطّاب بالرجال، فلمّا كثروا بَنَى رهط منهم فيها سبع دساكر من لَبِن منها في الخُرَيْبة (١) اثنتان وفي الزابوقة (٢) واحدة وفي بنى تميم اثنتان وفي الأزد اثنتان، ثمّ إنّ عُتبة خرج إلى فرات البصرة ففتحه ثمّ رجع إلى البصرة. وقد كان أهل البصرة يغزون جبال فارس ممّا يليها.

وجاء كتاب عمر بن الخطّاب إلى عُتبة بن غزوان أن انزلها بالمسلمين فيكونوا بها وليغزوا عدوّهم من قريب. وكان عُتبة خطب النّاس وهى أوّل خطبة خطبها بالبصرة فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكّل عليه، وأشهد أنْ لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله. أمّا بعد أيّها النّاس فإنّ الدّنْيا قد ولّت حذاء (٣) وآذنت أهلها بوداع فلم يبقَ منها إلّا صُبابة كصُبابة الإناء، ألا وإنّكم تاركوها لا محالة فاتركوها بخير ما بحضرتكم. ألا وإنّ من العجب أن يُؤتى بالحجر الضخم فيُلقى من شَفِير جهنّم، فيهوى سبعين عامًا، حتّى يبلغ قعرها، والله لتُملأنّ. ألا وإنّ من العجب أنّ للجنّة سبعة أبواب عرضُ ما بين جانبى الباب مسيرة خمسين عامًا، وايم الله لتأتين عليها ساعة وهى كظيظة من الزحام.

ولقد رأيتُنى مع رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سابع سبعة ما لنا طعام إلّا ورقُ البَشَام (٤) وشَوكُ القَتَاد (٥) حتّى قَرِحت أشداقنا، ولقد التقطتُ بردة يومئذ فشققتها بينى


(١) الخريبة: موضع البصرة.
(٢) الزابوقة: موضع قريب من البصرة.
(٣) أي: مسرعة.
(٤) لدي ابن الأثير في النهاية (بشم) ومنه حديث عتبة بن غزوان "ما لنا طعام إلّا ورق البشام". البشام: شجر طيب الريح يستاك به.
(٥) القتاد: نبات صلب له شوك كالإبر من الفصيلة القرنية.