للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

له مثل ذلك فتحرّج منه فقال: ما يحلّ لى من هذا إلّا ما حلّ لى من الأوّلين، قالت: فتركه، فبينما هو يسير على مُسَنّاة ضيّقة عن يمينه وعن شماله السماء إذ سمع خَوَايَةً (١) احتفزت لها دابّته فالتفت فإذا هو بسبّ ملفوف لا يدرى على ما هو فنزل، قالت: فأقدّر أنّه لو كان بين يديه لأبصره من ضيق مسيره، قالت: فنزل فلم يستطع أن يصرف دابّته من ضيق مسيره حتّى أخذ برأسها فتناوله عند رجل الدابّة، قالت: فإذا قطعة من سبّ ملفوف على دَوْخلة فيها رُطَب فأكل منها حتّى شبع ثمّ انطلق حتّى نزل على راهب فأتاه الراهب بقراه فأبَى أن يأكل منه فقال: يا عبد الله ما لك لا تأكل من قراى ولا أرى معك ثقلًا ولا طعامًا؟ قال: بلى، إنى قد أصبتُ كذا وكذا، قال: هل بقى معك شئ؟ قال: نعم، قال: فأطعمنى منه، فأعطاه الدوخلة، فقال له الراهب: يا عبد الله إنّك قد أُطعمت، ألا ترى النخل سُلُبًا ليس عليها شيء وإنّ هذا ليس بزمان الرّطَب، قالت: فأتانا بتلك القطعة السبّ فكان عندنا زمانًا فما أدرى كيف ذهب. قال إسحاق: والسبّ من السبيبة، قال عبد الله بن عمرو: قال الشاعر:

ألا يا أُمّ الأَسْود إنّ رأسى … تَغَشّى لَوْنَهُ سِبٌّ جَديدُ

فَلَوْ أنّ الشّبابَ يُباعُ بَيْعًا … لأعْطَيتُ المُبَايِعَ ما يُرِيدُ

وَلَكِنّ الشّبابَ إذا تَوَلّى … عَلى شَرَفٍ فمَطْلَبُهُ بَعِيدُ

قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدىّ عن يونس عن الحسن قال: قال أبو الصهباء صِلة بن أشيم: طلبتُ الدّنيا مظَانّ حلالها فجعلتُ لا أصيب منها إلّا قوتًا، أمّا أنا فلا أعيل فيها، وأمّا هو فلا يجاوزنى، فلمّا رأيتُ ذلك قلتُ: أىْ نفسِ جُعل رزقك كفافًا فاربعى، فربعتْ ولم تكد.

قال: أخبرنا عفّان وغيره عن جعفر بن سليمان عن يزيد الرِّشْك عن مُعاذَةَ قالت: كان أبو الصّهباء يصلّى حتّى يأتى فراشه زحفًا أو ما يأتى فراشه إلا زحفًا (٢).


(١) الخواية الصوت.
(٢) سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٤٩٧.