عمر إلى حفصة فذكر لها مثل ذلك، ثمّ اتّبعا أمّهات المؤمنين فجعلا يذكران لهنّ مثل ذلك حتى دخلا على أمّ سَلَمَة فذكرا لها مثل ذلك فقالت لهما أمّ سلمة: ما لكما ولما ها هنا رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أعلى بأمرنا عينًا ولو أراد أن ينهانا لنهانا، فمن نسأل إذا لم نسأل رسول الله؟ هل يدخل بينكما وبين أهليكما أحد؟ فما نكلّفكما هذا. فخرجا من عندها، فقال أزواج النبيّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأمّ سلمة: جزاك الله خيرًا حين فعلت ما فعلت، ما قدرنا أن نردّ عليهما شيئًا.
ثمّ قال جابر لأبى سعيد: ألم يكن الحديث هكذا؟ قال: بلى وقد بقيت منه بقيّة. قال جابر: فأنا آتى على ذلك إن شاء الله، ثمّ قال: فأنزله الله في ذلك: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}[سورة الأحزاب: ٢٨] يعنى متعة الطلاق، ويعنى بتسريحهنّ تطليقهن طلاقًا جميلًا، {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ}[سورة الأحزاب: ٢٩] تَخْتَرْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ فَلا تَنْكِحْنَ بَعْدَهُ أحَدًا. فانطلق رسول الله فبدأ بعائشة ققال: إنّ الله قد أمرنى أن أخيّركنّ بين أن تخترن الله ورسوله والدّار الآخرة وبين أن تخترن الدنيا وزينتها، وقد بدأت بك فأنا أخيّرك. قالت: أى نبيّ الله وهل بدأت بأحدٍ منهنّ قبلى؟ قال: لا. قالت: فإنى أختار الله ورسوله والدار الآخرة فاكتم عليّ ولا تخبر بذاك نساءك، قال رسول الله: بل أُخبرهنّ. فأخبرهنّ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، جميعًا فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
وكان خياره بين الدنيا والآخرة أن يخترن الآخرة أو الدنيا. قال:{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} فاخترن أن لا يتزوّجن بعده. ثمّ قال:{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} يعنى الزنا {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} يعنى في الآخرة {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} يعنى تطع الله ورسوله {وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} مضاعَفًا لها في الآخرة، وكذلك العذاب {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (٣١) يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} يقول فجور، {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ