للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالمدينة، وخرجت قريش من مكّة ومعهم أبو عامر الفاسق، وكان يسمّى قبل ذلك الرّاهب، فى خمسين رجلًا من قومه، وكان عددهم ثلاثة آلاف رجل فيهم سبعمائة دارع، ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير، والظُّعن خمسَ عشرةَ امرأة، وشاع خبرهم ومَسِيرهم فى النّاس حتى نزلوا ذا الحُليفة، فبعثَ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عينَينِ له أنَسًا ومُؤنِسًا ابنى فَضَالة الظّفَريّين، ليلة الخميس لخمس ليالٍ مضينَ من شوّال، فأتيا رسولَ الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بخبرهم وأنّهم قد خلّوا إبلهم وخيلهم فى الزرع الذى بالعُريض حتى تركوه ليس به خضراءُ (١).

ثمّ بعث الحُبابَ بن المنذر بن الجَموح إليهم أيضًا فدخل فيهم فحزرهم وجاءه بعلمهم، وبات سعد بن مُعاذ وأسيد بن حُضير وسعد بن عُبادة، فى عِدّةٍ ليلة الجمعة، عليهم السّلاحُ فى المسجد بباب رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحُرست المدينة حتى أصبحوا. ورأى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تلك الليلة كأنّه فى درع حصينة، وكأنّ سيفه ذا الفقار قد انفصم من عند ظُبَته، وكأنّ بقرًا تُذَبّح، وكأنّه مُرْدِفٌ كبشًا، فأخبر بها أصحابَه وأوّلَها، فقال: أمّا الدّرْع الحصينة فالمدينة، وأمّا انفصامُ سيفى فمُصيبةٌ فى نفسى، وأمّا البقر المذبّح فقتْلٌ فى أصحابى، وأمّا مردفٌ كبشًا فكبشُ الكتيبة يقتله الله إن شاء الله (٢).

فكان رأى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن لا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا، فأحبّ أن يوافَق على مثل رأيه فاستشار أصحابَه فى الخروج فأشار عليه عبد الله بن أُبىّ بن سَلول أن لا يخرج، وكان ذلك رأى الأكابر من المهاجرين والأنصار، فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: امكثوا فى المدينة واجعلوا النساء والذّرارىّ فى الآطام (٣).

فقال فتيانٌ أحداثٌ لم يشهدوا بدرًا فطلبوا من رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الخروج إلى عدوّهم ورغبوا فى الشهادة: اخرجْ بنا إلى عدوّنا! فَغَلَبَ على الأمر الذين يريدون الخروج، فصلّى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الجمعة بالنّاس ثمّ وعظهم وأمرهم


(١) أورده النويرى ج ١٧ ص ٨١ - ٨٣ نقلا عن ابن سعد.
(٢) أورده النويرى ج ٧ ص ٨٣ نقلا عن ابن سعد.
(٣) الآطام: الحصون المبنية بالحجارة، والبيوت المربعة المسطحة. والخبر لدى النويرى ج ١٧ ص ٨٤ نقلا عن ابن سعد.