للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فكان أوّلَ من أنشب الحرب بينهم أبو عامر الفاسق، طلع فى خمسين من قومه فنادى: أنا أبو عامر، فقال المسلمون: لا مرحبًا بك ولا أهلًا، يا فاسق! قال: لقد أصاب قومى بعدى شرّ، ومعه عَبيدُ قريش، فتراموا بالحجارة هم والمسلمون حتى ولّى أبو عامر وأصحابه، وجعل نساء المشركين يضربن بالأكبار والدّفوف والغرابيل (١) ويحرّضن ويذكّرنهم قَتلَى بدر ويقلن:

نَحنُ بنَاتُ طارِقْ … نَمشى عَلى النّمَارِقْ

إنْ تُقبِلُوا نُعانِقْ … أوْ تُدْبِروا نُفارِقْ

فِرَاقَ غَيرِ وامِقْ (٢)

قال: ودنا القوم بعضهم من بعض والرّماة يَرْشُقون خيل المشركين بالنبل فَتُوَلِّى هوارب (٣)، فصاح طلحة بن أبى طلحة صاحب اللواء: من يبارز؟ فبرز له علىّ بن أبى طالب، رضى الله عنه، فالتقيا بين الصفّين فبدره علىّ فضربه على رأسه حتّى فلق هامتَه فوقع، وهو كبش الكتيبة، فسُرّ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بذلك وأظهر التكبير، وكبّر المسلمون وشدّوا على كتائب المشركين يضربونهم حتّى نَغَضَت (٤) صفوفُهم، ثم حمل لواءَهم عثمان بن أبى طلحة أبو شيبة وهو أمَامَ النسوة يرتجز ويقول:

إنّ عَلَى أهلِ اللّواءِ حقّا … أنْ تُخضَبَ الصّعدَةُ أوْ تَنْدَقَّا (٥)

وحمل عليه حمزة بن عبد المطّلب، فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكَتِفَه حتى انتهى إلى مُؤتَزَرِهِ وبدا سَحرُه (٦)، ثمّ رجع وهو يقول: أنا ابن ساقى الحَجِيج، ثمّ حمله أبو سعد بن أبى طلحة فرماه سعد بن أبى وقّاص فأصاب حَنجَرَتَه فأدلع (٧) لسانَه إدْلاعَ الكلب فقتله، ثمّ حمله مُسافِع بن طلحة بن أبى


(١) الكَبَر: الطبل ذو الوجه الواحد. والغرابيل: جمع غربال. وهو الدف (النهاية).
(٢) الواقدى ج ١ ص ٢٢٥، والنويرى ج ١٧ ص ٩٠، والصالحى ج ٤ ص ٢٨٤.
(٣) ل "هوازن" والمثبت رواية م، ومثلها لدى النويرى ج ١٧ ص ٩١.
(٤) النغض: التحريك والاضطراب.
(٥) أورده النويرى ج ١٧ ص ٩١ نقلا عن ابن سعد.
(٦) السحر: الرئة.
(٧) أدلع: أخرج.