للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأخبرهم خبَر عدوّهم وشاوَرَهم فى أمرهم، فأشار عليه سَلمان الفارسى بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين وعَسْكَر بهم رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى سَفح سَلْع (١) وجعل سَلعًا خلف ظهره، وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف، واستخلَف على المدينة عبدَ الله بن أمّ مكتوم ثمّ خَنْدَقَ على المدينة، وجعل المسلمون يعملون مستعجلين يبادرونَ قدومَ عدوّهم عليهم وعمل رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، معهم بيده لينشّط المسلمين، ووكّل بكلّ جانب منه قومًا فكان المهاجرون يحفرون من ناحية راتج إلى ذُباب (٢)، وكانت الأنصار يحفرون من ذُباب إلى جبل بنى عُبيد، وكان سائر المدينة مشبّكًا بالبنيان فهى كالحصن، وخَنْدَقَت بنو عبد الأشْهَل عليها ممّا يلى راتج إلى خلفها حتى جاء الخندق من وراء المسجد، وخَنْدَقَت بنو دينار من عند جُرْبَا إلى موضع دار ابن أبى الجنوب اليومَ، وفَرغوا من حفره فى ستّة أيام ورفع المسلمون النساء والصبيان فى الآطام.

وخرج رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يوم الاثنين لثمانى ليالٍ مضين من ذى القعدة، وكان يحمل لواءه لواء المهاجرين زَيدُ بن حارثة، وكانَ يحمل لواء الأنصار سَعدُ ابن عُبَادة، ودسّ أبو سُفيان بن حرب حُيىّ بن أخْطَب إلى بنى قُريظة يسألهم أن ينقضوا العهدَ الذى بينهم وبين رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويكونوا معهم عليه، فامتنعوا من ذلك ثمّ أجابوا إليه، وبلغ ذلك النبىّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ! قال: ونَجم النّفاقُ وفشل النّاس وعظُم البلاءُ واشتدّ الخوفُ وخِيفَ على الذّرارىّ والنساء، وكانوا كما قال الله، تبارك وتعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [سورة الأحزاب: ١٠]. ورسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمسلمون وِجَاه العدوّ لا يزولون غير أنّهم يعتقبون خندقهم ويحرسونه.

وكان رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يبعث سَلمة بن أسْلَم فى مائتى رجل وزيد بن حارثة فى ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويُظهرون التكبير، وذلك أنّه كان يخاف


(١) سلع: جبل بسوق المدينة.
(٢) ذباب: جبل بالمدينة.