جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه! فرجع بُديل فأخبر بذلك قريشًا فبعثوا عروة بن مسعود الثّقَفى فكلّمه رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بنحو ممّا كلّم به بُديلًا فانصرف إلى قريش فأخبرهم، فقالوا: نَرُدّه عن البيت فى عامنا هذا ويرجع من قابل فيدخل مكّة ويطوف بالبيت. ثم جاء مِكرَز بن حَفص بن الأخيَف فكلّمه بنحو ممّا كلّم به صاحِبَيْه فرجعَ إلى قريش فأخبرهم، فبعثوا الحُليس بن علقمة، وهو يومئذ سيّد الأحابيش وكان يتألّه، فلمّا رأى الهَدْىَ عليه القلائدُ قد أكلَ أوباره من طول الحَبس رجع ولم يَصِلْ إلى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إعظامًا لما رأى، فقال لقريش: والله لَتُخَلُّنّ بينه وبين ما جاء له أو لأنفِرَنّ بالأحابيش! قالوا: فاكفُف عنّا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.
وكان أوّل من بعث رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى قريش خِراش بن أميّة الكَعبى ليُخبرهم ما جاء له، فعقروا به وأرادوا قتله فمنعه مَن هناك من قومه، فأرسل عثمانَ بن عفّان فقال: اذهبْ إلى قريشٍ فأخبرْهم أنّا لم نأتِ لِقتال أحد وإنّما جئنا زُوّارًا لهذا البيت معظّمين لحرمته، معنا الهَدْىُ ننحره وننصرف، فأتاهم فأخبرهم فقالوا: لا كان هذا أبدًا ولا يدخلها علينا العامَ!
وبلغ رسولَ الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن عثمان قد قتل، فذلك حيث دعا المسلمين إلى بيعة الرضوان فبايعهم تحت الشجرة وبايع لعثمان، رضى الله عنه، فضرب بشماله على يمينه لعثمان، رضى الله عنه، وقال: إنّه ذهب فى حاجة الله وحاجة رسوله.
وجعلت الرّسل تختلف بين رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبين قريش فأجمعوا على الصّلح والمُوادعة فبعثوا سُهَيلَ بن عَمرو فى عدّة من رجالهم فصَالَحه على ذلك وكتبوا بينهم: هذا ما صَالَح عليه محمّد بن عبد الله وسُهيل بن عمرو، واصطلحا على وَضع الحَرْبِ عشرَ سِنين يأمَن فيها النّاس ويَكُفّ بعضُهم عن بعضٍ، على أنّه لا إسلالَ ولا إغلالَ، وأنّ بيننا عيبةً مَكفوفةً، وأنّه مَن أحبّ أن يدخل فى عهد محمّد وعَقده فعل، وأنّه مَن أحَبَّ أن يدخل فى عهد قريش وعَقدها فعل، وأنّه مَن أتى محمّدًا منهم بغيرِ إذنِ وليّه ردّه إليه، وأنّه من أتى قريشًا من أصحاب محمّد لم يردّوه، وأنّ محمّدًا يرجع عنّا عامَه هذا بأصحابه ويدخل علينا قابلًا فى أصحابه فيُقيم بها ثلاثًا، لا يدخل علينا بسلاح إلّا سلاح المُسافر السيوفُ فى