للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَفَزِعوا ونَزَل رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بمَرّ الظّهران وقَدّم السّلاح إلى بَطن يَأجَج حيث يُنظَر إلى أنصاب الحَرَم، وخلّفَ عليه أوسَ بن خَوْلىّ الأنصارى فى مائة رجل، وخرجت قريش من مكّة إلى رءوس الجبال وخلّوا مكّة، فقدّم رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الهَدْىَ أمامَه فحُبس بذى طُوًى، وخرج رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على رَاحِلته القَصْواء والمسلمون متوشّحون السيوف مُحدِقون برسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يلبّون فدخل من الثّنيّة التى تُطلعه على الحَجُون وعبد الله بن رَواحة آخذٌ بزمام راحلته، فلم يزل رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُلَبّى حتى استَلَم الرّكنَ بمحجَنهِ مضطبعًا (١) بثوبه، وطافَ على راحلته والمسلمون يطوفون معه قد اضطبعوا بثيابهم، وعبد الله بن رواحة يقول:

خلّوا بَنى الكُفّارِ عن سبيلهْ … خلّوا فكلّ الخيرِ مَعْ رَسولِهْ

نحنُ ضَرَبْناكُمْ على تأوِيلهْ … كمّا ضَرَبْنَاكُمْ على تَنْزِيلِهْ

ضَرْبًا يُزِيلُ الهامَ عَنْ مَقيلهْ … ويُذْهلُ الخليلَ عَنْ خَليلِهْ

يا ربّ إنّى مُؤمنُ بقيلهْ (٢)

فقال عمر: يا بن رَواحة إيهًا! فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا عُمر إنّى أسمعُ! فأسكتَ عمرَ وقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إيهًا يابن رَواحة! قال: قُلْ لا إله إلّا الله وحدَه نَصَرَ عَبده وأعزّ جُندَه وهَزَمَ الأحزابَ وحدَه: قال فقالها ابن رَواحة فقالها النّاس كما قال. ثمّ طاف رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن الصّفا والمَرْوة على راحلته، فلمّا كان الطّواف السابع عند فراغه وقد وقف الهَدْىُ عند المَرْوَة قال: هذا المَنحَرُ وكلّ فجاجِ مكّة مَنحَرٌ: فنحر عند المروة وحلق هناك وكذلك فعل المسلمون فأمر رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ناسًا منهم أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يَأجَج فيقيموا على السّلاح ويأتى الآخرون فيقضوا نُسُكَهم ففعلوا، ثمّ دخل رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الكعبةَ فلم يزل فيها إلى الظّهر ثمّ أمر بلالًا فأذّن على ظهر الكعبة وأقام رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بمكّة ثلاثًا وتَزَوّج مَيمونَةَ بنت الحارث الهلاليّة، فلمّا كان عند ظُهر من اليوم الرابع أتاه سُهيل بن عمرو وحُويطب بن عبد العُزّى فقالا: قد انقضى أجَلُك فاخْرُجْ عنّا! وكان رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم ينزل بيتًا بل ضُربَتْ له قُبّةٌ من أدَم


(١) الاضطباع: هو أن يأخذ الإزار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن ويلقى طرفيه على كتفه الأيسر (النهاية).
(٢) الواقدى ص ٧٣٦، والصالحى ج ٥ ص ٢٩١ ولديهما اختلاف عما هنا.