عبد الله بن أبي بكر الصدّيق يومئذ فاندمل الجرح ثمّ انتقض به بعد ذلك فمات منه فارتفع رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى موضع مسجد الطائف اليومَ وكان معه من نسائه أمّ سلمة وزينب، فضرب لهما قبّتين، وكان يصلّى بين القبّتين حصارَ الطائف كلّه فحاصرهم ثمانية عشر يومًا، ونصب عليهم المنجنيق ونثر الحَسَك سقبَين من عيدان حول الحصن، فرمتهم ثقيف بالنبل فقُتل منهم رجال، فأمر رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بقطع أعنابهم وتحريقها فقطع المسلمون قَطْعًا ذريعًا ثمّ سألوه أن يَدَعَها لله وللرّحِم، فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فإنّي أدَعُها لله وللرّحِم! ونادى منادى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيّما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حُرّ! فخرج منهم بضعة عشر رجلًا منهم أبو بَكْرةَ نزل في بَكْرة فقيل أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ودفع كلّ رجل منهم إلى رجل من المسلمين يَمُونه، فشقّ ذلك على أهل الطائف مشقّة شديدة ولم يؤذن لرسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في فتح الطائف. واستشار رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نَوْفَل بن مُعاويه الدِّيلي فقال: ما ترى؟ فقال: ثعلبٌ في جُحْر إن أقمتَ عليه أخذتَه وإن تركته لم يضرّك! فأمرَ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عمر بن الخطّاب فأذّن في النّاس بالرحيل فضجّ النّاس من ذلك وقالوا: نرحل ولم يُفْتَح علينا الطائف؟ فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاغدوا على القتال: فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّا قافلون إن شاء الله: فسُرّوا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يضحك. وقال لهم رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُولوا لا إله إلّا الله وَحْدَه صَدَقَ وعْدَه ونَصَر عَبْده وهزَم الأحزابَ وحده. فلمّا ارتحلوا واستقلّوا قال: قولوا آئبون تَائبونَ عابدون لربنا حامدون! وقيل: يا رسول الله ادعُ الله على ثقيف، فقال: اللَّهُمَّ اهدِ ثقيفًا وأتِ بهم.
أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابى، أخبرنا أبو الأشهب، أخبرنا الحسن قال: حاصرَ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أهل الطائف قال فرُمى رجل من فوق سورها فقُتل، فأتى عمر فقال: يا نبيّ الله ادع على ثقيف! قال: إنّ الله لم يأذن في ثقيف، قال: فكيف نقتل في قوم لم يأذن الله فيهم؟ قال: فارتحلوا، فارتحلوا.
أخبرنا قَبيصة بن عقبة، أخبرنا سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن مَكْحُول: أنّ النّبيّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يومًا.