مقدّماتهم إلى البَلْقاء، فنَدب رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، النّاس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك. وبعثَ إلى مكّة وإلى قبائل العرب يَسْتنفرهم، وذلك في حَرٍّ شديدٍ، وأمرهم بالصّدقة فحَملوا صَدَقات كثيرة وقووا في سبيل الله، وجاء البكّاءُون وهم سبعة يستحملونه فقال:{لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}[سورة التوبة: ٩٢]. وهم: سالم بن عُمير وهَرَمي بن عَمرو وعُلبة بن زيد وأبو ليلَى المازني وعمرو بن عَنَمَة وسلمة بن صَخْر والعِرْباض بن سارية.
وفى بعض الرّوايات مَن يقول: إنّ فيهم عبد الله بن المُغفَّل ومَعْقِل بن يَسار. وبعضهم يقولون: البكّاءُون بنو مُقَرِّن السبعة، وهم من مُزَينة. وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في التخلّف من غير عِلّة فأذِن لهم وهم بضعة وثمانون رجلًا.
وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤْذَن لهم فاعتذروا إليه فلم يعذرهم وهم اثنان وثمانون رجلًا. وكان عبد الله بن أُبيّ بن سَلول قد عَسكر على ثنيّة الوَداع في حلفائه من اليهود والمنافقين فكان يقال ليس عسكره بأقلّ العسكَرَيْن. وكان رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عسكره أبا بكر الصّديق يصلّى بالنّاس، واستخلَف رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على المدينة محمّد بن مَسلمة، وهو أثبت عندنا ممّن قال استخلَف غيره. فلمّا سار رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تخلّف عبد الله بن أُبيّ ومن كان معه وتخلّف نَفَرٌ من المسلمين من غير شكّ ولا ارتياب، منهم: كَعْب بن مالك وهلال بن ربيع ومُرارة بن الرّبيع وأبو خَيْثَمَة السالمي وأبو ذَرّ الغفارى. وأمر رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كلّ بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتّخذوا لواءً أو رايةً ومضى لوجهه يسير بأصحابه حتى قدم تَبوك في ثلاثين ألفًا من النّاس، والخيل عشرة آلاف فرس، فأقام بها عشرين ليلةً يصلّى بها ركعتين ولحقه بها أبو خَيْثمة السالمي وأبو ذَرّ الغفاري، وهِرَقْل يومئذ بحمْص، فبعث رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارسًا في رجب سنة تسع سريّة إلى أكَيْدر بن عبد الملك بدُومة الجنْدَل، وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلةٍ، وكان أُكَيْدر من كِندة قد ملكهم، وكان نصرانيًّا، فانتهى إليه خالد وقد خرج من حصنه في ليلة مُقْمرَة