للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعضكم في تأميرى أسامة، ولئن طعنتم في إمارتى أُسامةَ لقد طعنتم في إمارتى أباه من قبله! وايم الله إن كان للإمارة لخَليقًا وإنّ ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحبّ النّاس إلى، وإنّهما لمخَيلان لكلّ خير، واستوصوا به خيرًا فإنّه من خياركم! ثمّ نزل فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول، وجاء المُسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويمضون إلى العسكر بالجُرْف، وثقُل رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجعل يقول: أنْفِذوا بَحْثَ أُسامة! فلمّا كان يوم الأحد اشتدّ برسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَجعه فدخل أسامة من مُعَسْكَره والنّبيّ مغمور، وهو اليوم الذي لدّوه (١) فيه، فَطَأطَأَ أسامة فقبّله ورسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا يتكلّم فجعل يرفع يديه إلى السّماء ثمّ يضعها على أسامة، قال: فعرفتُ أنّه يدعو لي.

ورجع أسامة إلى مُعَسْكَره ثمّ دخل يوم الاثنين وأصبح رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مفيقًا، صلوات الله عليه وبركاته، فقال له: اغدُ على بركة الله! فودّعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر النّاس بالرحيل: فبينا هو يريد الرّكوب إذا رسول أمّه أمّ أَيْمَن قد جاءه يقول: إنّ رسول الله يموت! فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عُبيدة فانتهوا إلى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو يموت فتُوفى، صلّى الله عليه صلاة يُحبّها ويرضاها، حين زَاغَت الشمس يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خَلَت من شهر ربيع الأول.

ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجُرْف إلى المدينة ودخل بُريدة بن الحُصيب بلواء أسامة معقودًا حتى أتى به باب رسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَغَرَزَه عنده، فلمّا بُويع لأبى بكر أمر بُريدة بن الحُصيب باللّواء إلى بيت أسامة ليمضى لوجهه، فمضى به بُريدة إلى معسكرهم الأوّل، فلمّا ارتدّت العرب كلّم أبو بكر في حَبس أُسامة فأبَى، وكلّم أبو بكر أسامة في عمر أن يأذن له في التخلّف ففعل. فلمّا كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة خرج أسامة فسار إلى أهل أُبْنَى عشرين ليلةً فشنّ عليهم الغارة، وكان شعارهم: يا منصور أمِتْ! فقتل من أشرف له وسَبَى مَن قَدَر عليه وحرّق في طوائفها بالنّار وحرّق منازلهم وحُروثَهم ونَخْلهم فصارت أعاصير


(١) اللدود: ما يصب بالمسعط من الأدوية في أحد شقى الفم.