يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِهِ، وَلَا يَأْكُلَ مِنْ وَاجِبٍ إِلَّا مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَكَلَ مِنْ بُدْنِهِ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَا فَرْقَ فِي الْهَدْيِ بَيْنَ مَا أَوْجَبَهُ بِالتَّعْيِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ، وَبَيْنَ مَا ذَبَحَهُ تَطَوُّعًا، لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي أَصْلِ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا ضَمِنَ الْمَشْرُوعَ لِلصَّدَقَةِ، كَالْأُضْحِيَّةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ فِي الْأَكْلِ وَالتَّفْرِقَةِ، كَالْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا، فَحَسَنٌ، وَأَوْجَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَكْلَ مِنْهُ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ.
(وَلَا يَأْكُلُ مِنْ وَاجِبٍ) لِأَنَّهُ وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ، أَشْبَهَ جَزَاءَ الصَّيْدِ، لَكِنِ اخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالْمُؤَلِّفُ: الْأَكْلَ مِنْ أُضْحِيَّةِ النَّذْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِهَا فِي الْأَصَحِّ (إِلَّا مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) . نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِمَا صَحَّ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعْنَ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَدْخَلَتْ عَائِشَةُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ حِينَ حَاضَتْ، فَصَارَتْ قَارِنَةً، ثُمَّ ذَبَحَ عَنْهُنَّ الْبَقَرَ، فَأَكَلْنَ مِنْ لَحْمِهَا. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَأَكَلَ هُوَ وَعَلِيٌّ مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُمَا دَمُ نُسُكٍ أَشْبَهَا التَّطَوُّعَ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لَا يَأْكُلُ مِنْ قِرَانٍ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ التَّمَتُّعِ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: وَلَا مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَعَنْهُ: يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِلَّهِ، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ بَدَلُ مُتْلَفٍ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَكَفَّارَةٌ.
فَرْعٌ: مَا مَلَكَ أَكْلَهُ فَلَهُ هَدْيُهُ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ كَبَيْعِهِ وَإِتْلَافِهِ، وَيَضْمَنُهُ أَجْنَبِيٌّ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ مَنَعَ الْفُقَرَاءَ مِنْهُ حَتَّى أَنْتَنَ، فَفِي " الْفُصُولِ ": عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَإِتْلَافِهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهُ: يَضْمَنُ نَقْصَهُ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ مَا ذُبِحَ بِمَكَّةَ سُمِّيَ هَدْيًا، وَمَا ذُبِحَ بِمِنًى. وَقَدْ سِيقَ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ هَدْيٌ وَأُضْحِيَّةٌ، وَمَا اشْتَرَاهُ بِعَرَفَاتٍ، وَسَاقَهُ إِلَى مِنًى فَهُوَ هَدْيٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا مَا اشْتَرَاهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِمِنًى، وَذَبَحَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute