للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، مِنَ النَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَالْجِرَحِ، إِلَّا أَنْ يُعْفَى لَهُمْ عَنْهَا.

وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى سِوَى ذَلِكَ، فَتَابَ قَبْلَ إِقَامَتِهِ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قَبْلَ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدٌّ سَقَطَ عَنْهُ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

{إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤] فَعَلَى هَذَا: يَسْقُطُ عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ، أَطْلَقَ فِي " الْمُبْهِجِ " فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى: رِوَايَتَيْنِ (وَأَخَذَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، مِنَ النَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَالْجِرَاحِ، إِلَّا أَنْ يُعْفَى لَهُمْ عَنْهَا) لِأَنَّهَا حُقُوقٌ عَلَيْهِمْ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا، فَلَمْ تَسْقُطْ لِغَيْرِ الْمُحَارِبِ، لَا يُقَالُ: الْآيَةُ عَامَّةٌ، فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ؟ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِرِضَاهُ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ، وَالشُّحِّ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ كَوْنَ تَوْبَتِهِمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهَا بَعْدَهَا، وَلِأَنَّهُ إِذَا تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَوْبَةُ إِخْلَاصٍ، وَبَعْدَهَا تُقْيَةٌ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَلِأَنَّ فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ تَرْغِيبًا فِي تَوْبَتِهِ، وَالرُّجُوعِ عَنْ مُحَارَبَتِهِ، وَبَعْدَ الْقُدْرَةِ لَا حَاجَةَ فِي تَرْغِيبِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنِ الْفَسَادِ، وَالْمُحَارَبَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ هُوَ تَحْتَ حُكْمِنَا، وَفِي خَارِجِيٍّ، وَبَاغٍ، وَمُرْتَدٍّ مُحَارِبٍ الْخِلَافُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِبَيِّنَةٍ، وَقِيلَ: وَقَرِينَةٍ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْكَافِرُ فَلَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ فِي كُفْرِهِ إِجْمَاعًا

[مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَابَ]

(وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى سِوَى ذَلِكَ) كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ (فَتَابَ قَبْلَ إِقَامَتِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ) ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَذْهَبَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: لِعُمُومِ آيَةِ الزِّنَا، وَالسَّارِقِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَجَمَ مَاعِزًا، وَالغَامِدِيَّةَ، وَقَدْ جَاءَا تَائِبَيْنِ» ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ كَفَّارَةٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالتَّوْبَةِ، كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَلِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ كَالْمُحَارِبِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ) نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ " وَصَحَّحَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: ١٦] وَلِقَوْلِهِ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: ٣٩] وَفِي الْخَبَرِ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» ، وَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَسَقَطَ بِالتَّوْبَةِ كَحَدِّ الْمُحَارِبِ (قَبْلَ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ) ، وَكَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>