فَصْلٌ
وَالْوَصِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا، وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ بِخُمْسِ مَالِهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، أَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ، وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢] .
[حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَالْقَدْرُ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ]
فَصْلٌ (وَالْوَصِيَّةُ) لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَعَنْهُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِي الْمَرَضِ مِنَ الثُّلُثِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ الْعَطِيَّةُ الْمُنْجَزَةُ، تَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ إِذَا لَمْ يَحْمِلْهُمَا الثُّلُثُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إِلَّا الثُّلُثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهِيَ (مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: ١٨٠] نُسِخَ الْوُجُوبُ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنَ التَّرْكِ بَقِيَ الرُّجْحَانُ، وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «يَقُولُ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظْمِكَ لِأُطَهِّرَكَ وَأُزَكِّيَكَ» لَكِنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ وَاجِبٌ غَيْرُهُ، وَعَنْهُ تَجِبُ لِكُلِّ قَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي التَّبْصِرَةِ عَنْهُ: وَلِلْمَسَاكِينِ، وَوَجْهِ الْبِرِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ تَرْكَ الْخَيْرِ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَلِقَوْلِهِ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ» . الْخَبَرَ (وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ) وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِهِ، فَعَنْ أَحْمَدَ: إِذَا تَرَكَ دُونَ الْأَلْفِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ دُونَ الْأَلْفِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا أَنَّهَا تُسَنُّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَعَنْهُ: عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute