إِنْ عَلِمَ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ: قَدْ نَدِمْتُ عَلَى مَا قُلْتُ، وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ.
فصل.
وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ، بَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الَّذِي لَمْ يَأْتِ بِمَا يُحَقِّقُ قَذْفَهُ، كَالزَّوْجِ يَقْذِفُ زَوْجَتَهُ وَيَتَحَقَّقُ عَدَمُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ اللِّعَانِ، وَكَالْأَجْنَبِيِّ يَقْذِفُ أَجْنَبِيَّةً وَيَتَحَقَّقُ عَدَمُهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَهَذَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَتُوبَ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ سَوَاءٌ حُدَّ أَوْ لَا، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَسَائِرِ الذُّنُوبِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى.
وَلِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي ذَرٍّ: إِنْ تُبْتَ قَبِلْتُ شَهَادَتَكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
وَاحْتَجُّوا بِهِ مَعَ اتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، مَعَ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ لِعَدَمِ تَوْبَتِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إِنْ تَنَاوَلَتْهُ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ لِفِسْقِهِ، وَإِلَّا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، كَرِوَايَتِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (وَتَوْبَتُهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] «تَوْبَتُهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ» وَلِكَذِبِهِ حُكْمًا (وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ: قَدْ نَدِمْتُ عَلَى مَا قُلْتُ، وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ النَّدَمَ تَوْبَةٌ لِلْخَبَرِ، وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ الْقَوْلُ لِيُعْلَمَ تَحَقُّقُ النَّدَمِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ سَبًّا، فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ إِكْذَابُ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ شَهَادَةً، فَبِأَنْ يَقُولَ: الْقَذْفُ حَرَامٌ بَاطِلٌ، وَلَنْ أَعُودَ إِلَى مَا قُلْتُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ.
قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فَلَا يؤمن بِالْكَذِبِ، وَهُوَ قَوْلُ السَّامَرِّيِّ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَقُولُ: نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنِّي، وَلَا أَعُودُ إِلَى مَا أُتَّهَمُ فِيهِ، وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِ مَا كَانَ مِنِّي؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ أَلَّا يَشْهَدَ.
[الْحُرِّيَّةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ]
(وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ) نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute