بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَالْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِمِثْلِ مَا فَعَلَ - قَطَعَ لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ قَتَلَ الَّذِي قَتَلَهُ وَيَجِبُ لِلْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْتَوْفِي الْقَطْعَ - وَجَبَتْ لَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَلَمْ يَقْطَعْ طَرَفَهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَطْعُ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَ وَاحِدٍ وَإِصْبَعَ آخَرَ قُدِّمَ رَبُّ الْيَدِ إِنْ كَانَ أَوَّلًا وَلِلْآخَرِ دِيَةُ إِصْبَعِهِ، وَمَعَ أَوَّلِيَّتِهِ تُقْطَعُ إِصْبَعُهُ، ثُمَّ يَقْتَصُّ رَبُّ الْيَدِ بِلَا أَرْشٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُصُ بِقَطْعِ الطَّرَفِ بِدَلِيلِ أَخْذِ صَحِيحِ الْأَطْرَافِ بِمَقْطُوعِهَا.
[بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ]
[الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ]
بَابٌ
الْعَفْوُ عَنِ الْقِصَاصِ
أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ أَفْضَلُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] وَالْعَفْوُ الْمَحْوُ وَالتَّجَاوُزُ، وَالْهَاءُ فِي " لَهُ " وَ " أَخِيهِ " " مِنْ "، وَهُوَ الْقَاتِلُ، وَيَكُونُ الْقَتِيلُ، أَوِ الْوَلِيُّ عَلَى هَذَا أَخًا لِلْقَاتِلِ مِنْ حَيْثُ الدِّينِ وَالصُّحْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ. وَنَكَّرَ " شَيْئًا " لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُ إِذَا عَفَا لَهُ عَنْ بَعْضِ الدَّمِ، أَوْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ، فَيَكُونُ الْعَفْوُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ " ذَلِكَ " أَيِ: الْمَذْكُورُ مِنَ الْعَفْوِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ كَانَ حَتْمًا عَلَى الْيَهُودِ وَحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الْعَفْوُ وَالدِّيَةُ، وَكَانَتِ الدِّيَةُ حَتْمًا عَلَى النَّصَارَى، وَحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ، فَخُيِّرَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ وَالْعَفْوِ تَخْفِيفًا وَرَحْمَةً، «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ أَمْرٌ فِيهِ الْقِصَاصُ إِلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ لَهُ فَجَازَ تَرْكُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
(وَالْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) هَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute