(فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) وَالْخِيَرَةُ فِيهِ إِلَى الْوَلِيِّ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ. وَالْعَفْوُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَوْجَبَ الِاتِّبَاعَ بِمُجَرَّدِ الْعَفْوِ، وَلَوْ وَجَبَ بِالْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَيْنًا لَمْ تَجِبِ الدِّيَةُ عِنْدَ الْعَفْوِ الْمُطْلَقِ (وَالْخِيَرَةُ فِيهِ إِلَى الْوَلِيِّ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ) وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ الْبَعْضَ إِذَا كَانَ الْقَاتِلُونَ جَمَاعَةً، وَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنِ الْبَعْضِ بِالْعَفْوِ عَنِ الْبَعْضِ، فَمَتَى اخْتَارَ الْأَوْلِيَاءُ الدِّيَةَ مِنَ الْقَاتِلِ، أَوْ مِنْ بَعْضِ الْقَتَلَةِ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْجَانِي لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَفْدِيَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبْلٍ - وَالْخَبْلُ الْجِرَاحُ - فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ، أَوْ يَعْفُوَ، فَإِنْ أَرَادَ رَابِعَةً فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا كَالْهَدْيِ، وَالطَّعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ (وَالْعَفْوُ) مَجَّانًا (أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِهِ، ثُمَّ لَا عُقُوبَةَ عَلَى جَانٍ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ وَاحِدٌ، وَقَدْ سَقَطَ كَعَفْوٍ عَنْ دِيَةِ قَاتِلِ خَطَأٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَدْلُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ الْغَايَةُ، وَهُوَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ الْإِحْسَانُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهُوَ عَدْلُ الْإِنْسَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ مِنَ الدَّمِ، وَالْمَالِ، وَالْعِرْضِ، فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ عَدْلٌ، وَالْعَفْوُ إِحْسَانٌ، وَالْإِحْسَانُ هُنَا أَفْضَلُ، لَكِنَّ هَذَا الْإِحْسَانَ لَا يَكُونُ إِحْسَانًا إِلَّا بَعْدَ الْعَدْلِ، وَهُوَ أَلَّا يَحْصُلَ بِالْعَفْوِ ضَرَرٌ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ ضَرَرٌ كَانَ ظُلْمًا مِنَ الْعَافِي إِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute