للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب ذكر أهل الزكاة وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ: الْفُقَرَاءُ: وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ. الثَّانِي: الْمَسَاكِينُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ.

وَمَنْ مَلَكَ مِنْ غَيْرِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

[بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ] [الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ]

ِ وَأَهْلُهَا هُمُ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ الشَّرْعُ مَحَلًّا لِدَفْعِهَا إِلَيْهِمْ، (وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ) الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ.

قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنَّمَا تُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ: تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ، وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: ١٧١] .

قَالَ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ": وَكَذَلِكَ تَعْرِيفُ الصَّدَقَاتِ - بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ - فَلَوْ صَارَ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَى غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ، لَكَانَ لَهُمْ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا، وَهَذَا إِجْمَاعٌ. (الْفُقَرَاءُ) بَدَأَ بِهِمُ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ، وَلِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ، وَهُمْ غَيْرُ الْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهُمَا إِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وَبِالْعَكْسِ (وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ) فَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَجِدُ شَيْئًا أَصْلًا، أَوْ لَا يَجِدُ نِصْفَ كِفَايَتِهِ، كَدِرْهَمَيْنِ مِنْ عَشَرَةٍ، وَمَثَّلَهُ الْخِرَقِيُّ وَتَبِعَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى؛ لِأَنَّهُمَا غَالِبًا لَا قُدْرَةَ لَهُمَا عَلَى اكْتِسَابِ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، أَوْ لَا قُدْرَةَ لَهُمَا عَلَى شَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٣] (الثَّانِي: الْمَسَاكِينُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ) أَوْ نِصْفَهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩] فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ، وَلَهُمْ سَفِينَةٌ، وَقَدْ سَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْكَنَةَ، وَاسْتَعَاذَ مِنَ الْفَقْرِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ شِدَّةَ الْحَاجَةِ، وَيَسْتَعِيذَ مِنْ حَالَةٍ أَصْلَحَ مِنْهَا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ لِكَوْنِهِ يَجِدُ مَا ذَكَرْنَا، وَعَنْهُ: أَنَّهُ فَقِيرٌ، وَالْأَوَّلُ مِسْكِينٌ، وَأَنَّ الْمِسْكِينَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ الْفَقِيرِ، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ، وَثَعْلَبُ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦] وَهُوَ الْمَطْرُوحُ عَلَى التُّرَابِ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْبِيرُ عَنِ الْفَقِيرِ بِالْمِسْكِينِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ هَذَا النَّعْتَ لَا يَسْتَحِقُّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>