الْقَذْفِ، فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ. وَإِنْ قُلْنَا: هو لِآدَمِيِّ فَهُوَ كَالْقِصَاصِ.
وَيَجُوزُ كِتَابُه فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ دُونَ الْقَرِيبَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
- تَعَالَى - فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ) كَحُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى. (وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِآدَمِيٍّ فَهُوَ كَالْقِصَاصِ) جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِثُبُوتِهِ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ. وَذَكَرُوا فِيمَا إِذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أَنَّهُ أَصْلٌ، وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ، فَلَا يُسَوَّغُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِإِنْكَارِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ. وَلَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ، بَلْ يَمْنَعُ إِنْكَارَهُ الْحُكْمَ، كَمَا يَمْنَعُ رُجُوعَ شُهُودِ الْأَصْلِ الْحُكْمَ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ، وَأَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ.
[كِتَابُ الْقَاضِي فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ]
(وَيَجُوزُ كِتَابُهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ) مِثْلُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى إِنْسَانٍ بِحَقٍّ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَفَاؤُهُ. أَوْ يَدَّعِيَ حَقًّا عَلَى غَائِبٍ، وَيُقِيمَ بَيِّنَةً عِنْدَهُ، وَيَسْأَلَ الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، فَيَحْكُمَ عَلَيْهِ، وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِحُكْمِهِ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْغَائِبُ، فَيَكْتُبَ لَهُ إِلَيْهِ. أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى حَاضِرٍ، فَيَهْرُبَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِحُكْمِهِ، فَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ إِجَابَتُهُ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ. (لِيُنَفِّذَهُ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَسَافَةِ الْقَصْرِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ.
وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ، يَجِبُ إِمْضَاؤُهُ عَلَى كُلِّ حَاكِمٍ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَفِي حَقٍّ للَّهِ - تَعَالَى -. (وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ دُونَ الْقَرِيبَةِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ نَقْلُ شَهَادَةٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَكِتَابُهُ بِالْحُكْمِ لَيْسَ هُوَ نَقْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ.
وَعَنْهُ: فَوْقَ يَوْمٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: خَرَّجْتُهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَقَلَّ كَخَبَرٍ. وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَيَكُونُ فِي كِتَابِهِ: شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِكَذَا. لِيَكُونَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَقْضِي، وَلَا يَكْتُبُ: ثَبَتَ عِنْدِي. لِأَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute