حَاكِمَ فِيهِ، كَتَبَ إِلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، قِيلَ: لِلْخَصْمِ: حَقِّقْ مَا تَدَّعِيهِ، ثُمَّ يُحْضِرُهُ، وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ» الْخَبَرَ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ أَسْتُرُ. وَرُبَّمَا مَنَعَهَا الْحَيَاءُ مِنَ النُّطْقِ بِحُجَّتِهَا سِيَّمَا مَعَ جَهْلِهَا بِالْحُجَّةِ. وَذَكَرَ السَّامَرِيُّ: أَنَّهُ يُخَيِّرُ. وَأَطْلَقَ فِي الِانْتِصَارِ النَّصَّ فِيهَا، وَاخْتَارَهُ إِنْ تَعَذَّرَ الْحَقُّ بِدُونِ حُضُورِهَا، وَإِلَّا لَمْ يُحْضِرْهَا.
وَأَطْلَقَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ إِحْضَارَهَا ; لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ، وَالْمُدَّةُ يَسِيرَةٌ كَسَفَرِهَا مِنْ مَحَلَّةٍ إِلَى مَحَلَّةٍ. وَحُكْمُ الْمَرِيضِ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ السَّعْيُ وَالْحَرَكَةُ. فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ بَرْزَةً، أَيْ: تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا غَيْرَ مُخَدَّرَةٍ فَإِنَّهُ يُحْضِرُهَا.
وَلَا يُعْتَبَرُ لِخُرُوجِهَا مَحْرَمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ.
[إِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنِ الْبَلَدِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ]
(وَإِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنِ الْبَلَدِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ، كَتَبَ إِلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا) ، نَقُولُ: إِذَا اسْتَعْدَى عَلَى غَائِبٍ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْدِيَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ فِي وِلَايَتِهِ وَلَهُ هُنَاكَ خَلِيفَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ عِنْدَهُ، وَكَتَبَ إِلَى خَلِيفَتِهِ وَلَمْ يُحْضِرْهُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ نَفَذَ إِلَى خَصْمِهِ لِيُحَاكِمَهُ عِنْدَ خَلِيفَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَلِيفَةٌ كَانَ فِيهِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ أَذِنَ لَهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْ يَصْلُحُ بَعَثَ إِلَى ثِقَةٍ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى قَطْعِ الْخُصُومَةِ، مَعَ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْإِحْضَارِ. (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا) أَيْ: إِذَا تَعَذَّرَ أَوْ أَبَى الْخَصْمَانِ قَبُولَ ذَلِكَ. (قِيلَ لِلْخَصْمِ: حرر مَا تَدَّعِيهِ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيهِ لَيْسَ بِحَقٍّ عِنْدَهُ، كَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، وَقِيمَةِ الْكَلْبِ، فَلَا يُكَلَّفُ الْحُضُورَ، لِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ مَعَ الْمَشَقَّةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْحَاضِرِ. (ثُمَّ يُحْضِرُهُ، وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ، وَقَدْ تَعَيَّنَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَعَنْهُ: لِدُونِ يَوْمٍ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ وَزَادَ: بِلَا مُؤْنَةٍ وَمَشَقَّةٍ.
وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا يُحْضِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ حَتَّى تَتَحَرَّرَ دَعْوَاهُ. وَفِيهِ يَتَوَقَّفُ إِحْضَارُهُ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، إِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ.
قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُحْضِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَهُ مَا ادَّعَاهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute