للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ تَالِفَةً

وَتَحْصُلُ الْهِبَةُ بِمَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ هِبَةً مِنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْمُعَاطَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

فَأَيُّهُمَا يُصَدَّقُ إِذَا حَلَفَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَجَزَمَ فِي " الْكَافِي " فِي الْأُولَى أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.

[مَا تَحْصُلُ بِهِ الْهِبَةُ]

(وَتَحْصُلُ الْهِبَةُ بِمَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ هِبَةً مِنَ الْإِيجَابِ) بِأَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُكَ، وَأَهْدَيْتُ إِلَيْكَ، وَأَعْطَيْتُكَ، وَنَحْوَهُ كَهَذَا لَكَ، (وَالْقَبُولُ) بِأَنْ يَقُولَ: قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، (وَالْمُعَاطَاةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا) ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُهْدِي وَيُهْدَى إِلَيْهِ، وَيُعْطِي وَيُعْطَى، وَيُفَرِّقُ الصَّدَقَاتِ، وَيَأْمُرُ سُعَاتَهُ بِأَخْذِهَا وَتَفْرِيقِهَا، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ إِيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَنُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا أَوْ مُشْتَهِرًا، وَكَالْبَيْعِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ قَبْضٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَمْلِيكٍ، فَافْتَقَرَ إِلَى ذَلِكَ كَالنِّكَاحِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْمُغْنِي " أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَالْعَفْوِ، وَالتَّمْلِيكِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " فِي عَفْوٍ وَجْهَانِ، وَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ دَالٌّ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَعَدَمِ الْعُرْفِ؛ وَلِأَنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ، فَالْهِبَةُ أَوْلَى، وَالنِّكَاحُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَقَعُ إِلَّا قَلِيلًا، فَلَا يَشُقُّ فِيهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، (وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ) بِإِذْنِ وَاهِبٍ بِلَا شُبْهَةٍ؛ لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَحَلَهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْعَالِيَةِ، فَلَمَّا مَرِضَ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، فَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا؛ وَلِأَنَّهَا هِبَةٌ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ، فَلَمْ تَلْزَمْ كَالطَّعَامِ الْمَأْذُونِ فِي أَكْلِهِ (وَعَنْهُ: تَلْزَمُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَالْمَعْدُودِ وَالْمَزْرُوعِ (بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ) ، أَيْ إِذَا كَانَ مُتَمَيِّزًا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ الْمَذْهَبُ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>