بَابُ الوديعة وَهِيَ أَمَانَةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى، وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ لَمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[بَابُ الْوَدِيعَةِ] [ضَمَانُ الْوَدِيعَةِ] [الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ]
ِ الْوَدِيعَةُ وَهِيَ فَعِيلَةٌ مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ إِذَا تَرَكَهُ، أَيْ هِيَ مَتْرُوكَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الدَّعَةِ، فَكَأَنَّهَا عِنْدَ الْمُودَعِ غَيْرُ مُبْتَذَلَةٍ لِلِانْتِفَاعِ، وَقِيلَ: مِنْ وَدَعَ الشَّيْءُ يَدَعُ إِذَا سَكَنَ، فَكَأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِعَيْنٍ تُوضَعُ عِنْدَ آخَرَ لِيَحْفَظَهَا، فَهِيَ وَكَالَةٌ فِي الْحِفْظِ، فَيُعْتَبَرُ أَرْكَانُهَا، وَالْأَحْسَنُ أَنَّهَا تَوْكِيلٌ فِي حِفْظِ مَمْلُوكٍ، أَوْ مُحْتَرَمٍ مُخْتَصٍّ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَالْإِجْمَاعُ فِي كُلِّ عَصْرٍ عَلَى جَوَازِهَا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] مَعَ السُّنَّةِ الشَّهِيرَةِ، مِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ.
وَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا لِمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ ثِقَةٌ قَادِرٌ عَلَى حِفْظِهَا، وَتُكْرَهُ لِغَيْرِهِ إِلَّا بِرِضَى رَبِّهِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتٍ، وَجُنُونٍ، وَعَزْلٍ مَعَ عِلْمِهِ، فَإِنْ بَطَلَتْ بَقِيَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً يُؤَدِّيهِ إِلَى مَالِكِهِ، فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَهَدَرٌ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ، وَلَا يَصِحُّ الْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَتَبَرُّعِهِ بِهِ.
(وَهِيَ أَمَانَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣] (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ» ، رَوَاهُ ابْنُ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْدِعَ يَحْفَظُهَا لِمَالِكِهَا، فَلَوْ ضُمِنَتْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنَ الدُّخُولِ فِيهَا، وَذَلِكَ مُضِرٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute