فَصْلٌ وَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ بَلْ يَصِيرُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» أَنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ إِذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ فِيهَا حَقٌّ، وَلِأَنَّهُ إِحْيَاءٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَمَا لَوْ أَحْيَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ فَكَانَ أَوْلَى، كَحَقِّ الشَّفِيعِ يُقَدَّمُ عَلَى شِرَاءِ الْمُشْتَرِي، وَالثَّانِي: يَمْلِكُهُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الْإِحْيَاءَ يُمْلَكُ بِهِ فَقُدِّمَ عَلَى الْمُتَحَجِّرِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي نُزُولِ مُسْتَحِقٍّ عَنْ وَظِيفَةٍ لِزَيْدٍ، هَلْ يَتَقَرَّرُ فِيهَا غَيْرُهُ؟
قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ نَزَلَ عَنْ وَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ: لَا يَتَعَيَّنُ الْمَنْزُولُ لَهُ، وَيُوَلِّيِ مِنْ لَهُ الْوِلَايَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ شَرْعًا، اعْتَرَضَهُ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ نُزُولُهُ بِعِوَضٍ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ رَغْبَةٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ وَظِيفَتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَكَلَامُ الشَّيْخِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَنْزُولَ لَهُ لَيْسَ أَهْلًا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النُّزُولَ يُفِيدُ الشُّغُورَ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ بِنُزُولِهِ إِذِ السَّاقِطُ لَا يَعُودُ، وَقَوْلُهُ: قَضِيَّةٌ فِي عَيْنِ الْأَصْلِ عَدَمُهُ، وَمِمَّا يُشْبِهُ النُّزُولَ عَنِ الْوَظَائِفِ النُّزُولُ عَنِ الْإِقْطَاعِ، فَإِنْهُ نُزُولٌ عَنِ اسْتِحْقَاقٍ يَخْتَصُّ بِهِ لِتَخْصِيصِ الْإِمَامِ لَهُ اسْتِغْلَالَهُ، أَشْبَهَ مُسْتَحِقِّ الْوَظِيفَةِ، وَمُتَحَجِّرِ الْمَوَاتِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْخُلْعِ، فَإِنْهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكِ الْبُضْعَ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُتَحَجِّرَ.
[لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيَهُ]
فَصْلٌ (وَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ» ، «وَأَقْطَعَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَرْضًا» ، «وَأَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ» ، وَجَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطِعَ مِقْدَارَ مَا عَيَّنَهُ، فَإِنْ فَعَلَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ عَنْ إِحْيَائِهِ اسْتَرْجَعَهُ كَمَا اسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِنْ بِلَالٍ مَا عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهِ بِالْعَقِيقِ الَّذِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ) لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ بِهِ لَمَا جَازَ اسْتِرْجَاعُهُ (بَلْ يَصِيرُ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ) لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ بِالْإِقْطَاعِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُسَمَّى تَمَلُّكًا لِمَآلِهِ إِلَيْهِ، وَكَذَا لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ. نَقَلَ حَرْبٌ: الْقَطَائِعُ جَائِزَةٌ. وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِ الْأُمَرَاءِ، فَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا، وَنَقَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute