بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ.
إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ الخَصْمَانِ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَنِ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؛ وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا. فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى قَدَّمَهُ. وَإِنِ ادَّعَيَا مَعًا، قَدَّمَ أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ. فَإِذَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ادعي قَبْلَهُ شَهَادَة لَمْ تُسْمَعْ وَلَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُحَلَّفْ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ.
وَلَوْ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُهَا وَلَا أُؤَدِّيهَا. فَظَاهِرٌ، وَلَوْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَى بِهِ. إِنْ قِيلَ: كِتْمَانُهَا مُوجِبٌ لِضَمَانِ مَا تَلَفَ، وَلَا يَبْعُدُ، كَمَا يَضْمَنُ مَنْ تَرَكَ الْإِطْعَامَ الْوَاجِبَ. وَكَوْنُهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ لِفِسْقِهِ بِكِتْمَانِهِ لَا يَنْفِي ضَمَانَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ]
[سَمَاعُ الْخَصْمَيْنِ مَعًا]
طَرِيقُ كُلِّ شَيْءٍ: مَا تُوُصِّلَ بِهِ إِلَيْهِ. وَالْحُكْمُ: الْفَصْلُ. (إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ الْخَصْمَانِ) الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ، أَوْ يُجْلِسُهُمَا لِذَلِكَ.
لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْخَصْمَيْنِ يَقْعُدَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ لِلْحَاكِمِ مِنَ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمَا وَالنَّظَرِ فِي خُصُومَتِهِمَا.
وَفِي الرِّعَايَةِ: إِذَا جَاءَهُ خَصْمَانِ فَجَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ أَجْلَسَهُمَا حَاجِبُهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُمَا الْحَاكِمُ بِذَلِكَ، أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ إِنْ كَانَا شَرِيفَيْنِ أَوْ كَبِيرَيْنِ. (فَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَنِ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا) لِأَنَّ كَلَامَهُ يَسْتَدْعِي طَالِبًا لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَقِيلَ: بَلْ يَسْكُتُ حَتَّى يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا. وَيَقُولُ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِهِ: مَنِ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ إِنْ سَكَتَا جَمِيعًا، وَلَا يَقُولُ الْحَاكِمُ وَلَا حَاجِبُهُ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا: تَكَلَّمْ ; لِأَنَّ فِي إِفْرَادِهِ بِذَلِكَ تَفْضِيلًا لَهُ وَتَرْكًا لِلْإِنْصَافِ. (فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى قَدَّمَهُ) ، لِأَنَّ لِلسَّابِقِ حَقُّ تَقَدُّمٍ، فَلَوْ قَالَ الْخَصْمُ: أَنَا الْخَصْمُ. لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ. (وَإِنِ ادَّعَيَا مَعًا قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ) هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهَا مُرَجَّحَةٌ عِنْدَ الِازْدِحَامِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute