للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وَإِذَا ثَبَتَتِ الْوِلَايَةُ وَكَانَتْ عَامَّةً، اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ: فَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَدَفْعِهِ إِلَى رَبِّهِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

[أَلْفَاظُ التَّوْلِيَةِ]

(وَأَلْفَاظُ التَّوْلِيَةِ الصَّرِيحَةُ سَبْعَةٌ: وَلَّيْتُكَ الْحُكْمَ، وَقَلَّدْتُكَ، وَاسْتَنَبْتُكَ، وَاسْتَخْلَفْتُكَ، وَرَدَدْتُ إِلَيْكَ الحكم، وَفَوَّضْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ إليك الْحُكْمَ) لِأَنَّ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ دَلَالَةً لَا تَفْتَقِرُ مَعَهَا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَذَلِكَ هُوَ الصَّرِيحُ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ عَلَى هَذِهِ: اسْتَكْفَيْتُكَ، وَقِيلَ: رَدَدْتُهُ، وَفَوَّضْتُهُ، وَجَعَلْتُهُ إِلَيْكَ كِنَايَةً. (فَإِذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْهَا) أَيْ: وَاحِدٌ مِنْهَا. (وَالْقَبُولُ مِنَ الْمُوَلَّى) الْحَاضِرِ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْغَائِبِ بَعْدَهُ (انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ) لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ إِلَّا ذَلِكَ، فَمَتَى أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَوُجِدَ الْقَبُولُ صَحَّتْ، كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ. وَيَصِحُّ الْقَبُولُ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فِي الْأَصَحِّ.

قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا: هُوَ نَائِبٌ عَنِ الشَّرْعِ كَفَى، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نَائِبُ مَنْ وَلَّاهُ فَلَا. مَسْأَلَةٌ: تَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَفْضُولٍ مَعَ مَوْجُودٍ فَاضِلٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ وَكَانَ أَصْلَحَ لِلدِّينِ وَالنَّاسِ. وَإِنْ فَوَّضَ الْإِمَامُ إِلَى إِنْسَانٍ تَوْلِيَةَ الْقَاضِي جَازَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ اخْتِيَارُ نَفْسِهِ وَلَا وَالِدِهِ وَلَا وَلَدِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الصَّدَقَةِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ اخْتِيَارُهُمَا إِذَا كَانَا صَالِحَيْنِ لِلْوِلَايَةِ. (وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ: اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ، وَعَوَّلْتُ عَلَيْكَ، وَوَكَلْتُ إِلَيْكَ، وَأَسْنَدْتُ إِلَيْكَ الْحُكْمَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ التَّوْلِيَةَ وَغَيْرَهَا، مِنْ كَوْنِهِ يَأْخُذُ بِرَأْيِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَى التَّوْلِيَةِ (حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ، نَحْوُ: فَاحْكُمْ، أَوْ فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْتُ عَلَيْكَ فِيهِ، وَمَا أَشْبَهَه) ذلك لِأَنَّ هَذِهِ الْقَرِينَةَ تَنْفِي الِاحْتِمَالَ.

[الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى لَا تَصِحُّ إِلَّا لِمُسْلِمٍ] ١

فَصْلٌ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا تَصِحُّ الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى إِلَّا لِمُسْلِمٍ حُرٍّ، ذَكَرٍ، مُكَلَّفٍ، عَدْلٍ، مُجْتَهِدٍ، شُجَاعٍ، مُطَاعٍ، ذِي رَأْيٍ، سَمِيعٍ، بَصِيرٍ، نَاطِقٍ، قُرَشِيٍّ. وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ، وَالِاسْتِيلَاءِ قَهْرًا مَعَ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَضُرُّ فِسْقُهُ الْمُقَارِنُ وَجَهْلُهُ.

فَإِنْ شَرَطْنَا حِينَ الْبَيْعَةِ عَدَمَ فِسْقِهِ وَجَهْلِهِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِفِسْقِهِ الطَّارِئِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا طَاعَةَ لَهُ فِي مَعْصِيَةٍ. وَمَنْ ثَبَتَتْ وِلَايَتُهُ قَهْرًا زَالَتْ بِهِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَشُرُوطُ الْقَضَاءِ تَنْقُصُ عَنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ بِالشَّجَاعَةِ؛ لِسُقُوطِ الْحَرْبِ عَنِ الْقَاضِي، وَحَاجَةِ الْإِمَامِ إِلَيْهِ.

وَبِالنَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ الدِّينِيَّةِ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا النَّسَبُ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ عَنِ الرَّعِيَّةِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَوْ خَرَجَ رَجُلٌ عَلَى الْإِمَامِ فَقَهَرَهُ وَغَلَبَ النَّاسَ بِسَيْفِهِ حَتَّى أَقَرُّوا لَهُ وَأَذْعَنُوا بِطَاعَتِهِ وَبَايَعُوهُ صَارَ إِمَامًا يَحْرُمُ قِتَالُهُ وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ خَرَجَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا حَتَّى بَايَعُوهُ طَوْعًا وَكَرْهًا؛ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَإِرَاقَةِ دِمَائِهِمْ وَذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ.

[مَا يُسْتَفَادُ بِالْوِلَايَةِ إِذَا ثَبَتَتْ وَكَانَتْ عَامَّةً]

فَصْلٌ

(وَإِذَا ثَبَتَتِ الْوِلَايَةُ وَكَانَتْ عَامَّةً) أَيْ: لَمْ تُقَيَّدْ بِنَوْعٍ (اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَزَادَ عَلَيْهَا وَاحِدًا: وَهُوَ جِبَايَةُ الْخَرَاجِ، وَفِي الْفُرُوعِ وَالزَّكَاةِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَالِاحْتِسَابُ عَلَى الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ وَإِلْزَامُهُمْ بِالشَّرْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>