فَصْلٌ. وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَةُ الْأَمِيرِ، وَالنُّصْحُ لَهُ، وَالصَّبْرُ مَعَهُ. وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّفَ، وَلَا يَحْتَطِبَ، وَلَا يُبَارِزَ، وَلَا يَخْرُجَ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَلَا يُحْدِثَ حَدَثًا إِلَّا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[لُزُومُ الْجَيْشِ طَاعَة الْأَمِيرِ]
فَصْلٌ. (وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَةُ الْأَمِيرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، فَلَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَقْتَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَأَبَوْا، عَصَوْا.
قَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ رَقِيقِ الرُّومِ، فَلْيَأْتِ بِهِ السَّبْيَ، يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَهُوا إِلَى مَا أَمَرَهُمْ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْخِلَافُ شَرٌّ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا خَيْرَ مَعَ الْخِلَافِ، وَلَا شَرَّ مَعَ الِائْتِلَافِ، وَنَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ: إِذَا خَالَفُوهُ تَشَعَّثَ أَمْرُهُمْ، فَلَوْ قَالَ: سِيرُوا وَقْتَ كَذَا، دَفَعُوا مَعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: السَّاقَةُ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْأَجْرُ إِنَّمَا يَخْرُجُ فِيهِمْ أَهْلُ قُوَّةٍ وَثَبَاتٍ (وَالنُّصْحُ لَهُ) لِأَنَّ نُصْحَهُ نُصْحُ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُمْ، فَإِذَا نَصَحُوهُ، كَثُرَ دَفْعُهُ، وَفِي الْأَثَرِ: «إِنَّ اللَّهَ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ» ، وَمَعْنَاهُ: يَكُفُّ. (وَالصَّبْرُ مَعَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران: ٢٠٠] وَلِأَنَّهُ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّفَ) وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَلَفِ لِلدَّوَابِّ (وَلَا يَحْتَطِبَ) وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَطَبِ (وَلَا يُبَارِزَ) عِلْجًا. (وَلَا يَخْرُجَ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَلَا يُحْدِثَ حَدَثًا إِلَّا بِإِذْنِهِ) لِأَنَّ الْأَمِيرَ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ وَحَالِ الْعَدُوِّ، وَمَكَامِنِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، فَإِذَا خَرَجَ إِنْسَانٌ أَوْ بَارَزَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُصَادِفَهُ كَمِينٌ لِلْعَدُوِّ فَيَأْخُذُوهُ، أَوْ يَرْحَلَ الْمُسْلِمُونَ، وَيَتْرُكُوهُ فَيَهْلَكَ، أَوْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يَقْوَى عَلَى الْمُبَارَزَةِ فَيَظْفَرَ بِهِ الْعَدُوُّ، فَتَنْكَسِرَ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَذِنَ، فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ انْتِفَاءِ الْمَفَاسِدِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي النَّصِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: ٦٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute