مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَلَا أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ
وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ مِنَ الْهِبَةِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمِلْكُ فِيهَا إِنْ كَانَ الِابْنُ اسْتَوْلَدَهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا الْأَبُ وَالِابْنُ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ، وَيُحَدُّ الِابْنُ لِوَطْئِهِ جَارِيَةَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ، وَيَكُونُ مِلْكًا لِأَبِيهِ، وَقَدْ أَوْجَبَ أَحْمَدُ أَنْ يُعْتِقَهُ الْأَبُ لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنِ ابْنِهِ (وَلَيْسَ لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَلَا أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ) ، قَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِيهِ يَقْتَضِيهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَلِأَنَّ الْمَالَ أَحَدُ نَوْعَيِ الْحُقُوقِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ أَبِيهِ بِهِ كَحُقُوقِ الْأَبْدَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِنَفَقَتِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَعَيَّنَ بِمَالٍ لَهُ فِي يَدِهِ.
قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَغِنَى وَالِدِهِ عَنْهُ، وَقِيلَ: يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ مُطْلَقًا، فَعَلَى هَذَا فَفِي مِلْكِهِ إِبْرَاءَ نَفْسِهِ نَظَرٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَ غَيْرُهُ: لَا يَمْلِكُهُ كَإِبْرَائِهِ لِغَرِيمِهِ، وَلَا طَلَبَ لَهُ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ مُطَالَبَةُ الْأَبِ فِي الْأَشْهَرِ كَمُوَرِّثِهِمْ، وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ بَطَلَ دَيْنُ الِابْنِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنِ الْأَبِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتِ الْمُطَالَبَةُ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا أَخَذَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا مَاتَ فَوَجَدَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعَيْنِهِ - قَالَ فِي " الْمُبْهِجِ ": أَوْ بَعْضَهُ - وَلَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهُ، أَوْ وَجَدَ مَا أَقْرَضَهُ، فَهَلْ يَأْخُذُهُ أَوْ يَكُونُ إِرْثًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَمَا قَضَاهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَصَّى بِقَضَائِهِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَأَنْكَرَ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ وَهُوَ عَلَى الْأَبِ، نَقَلَهُ مُهَنَّا، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِنْ أَقَرَّ الِابْنُ.
[الْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ مِنَ الْهِبَةِ]
(وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ مِنَ الْهِبَةِ) أَيْ هُمَا نَوْعَا الْجِنْسِ كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ مَعَ الْحَيَوَانِ، وَحَاصِلُهُ إِنْ قَصَدَ بِإِعْطَائِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ قَصَدَ إِكْرَامًا وَتَوَدُّدًا وَنَحْوَهُ فَهَدِيَّةٌ وَإِلَّا فَهِبَةٌ وَعَطِيَّةٌ وَنِحْلَةٌ، وَهُمَا كَهِبَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَحَنْبَلٌ: لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " لَا يُعْتَبَرُ فِي الْهَدِيَّةِ قَبُولٌ لِلْعُرْفِ، وَمَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ لِيُهْدَى لَهُ أَكْثَرُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَقَلَهُ أَحْمَدُ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ سَأَلَ الْحَاجَةَ فَسَعَا مَعَهُ فِيهَا فَيُهْدَى إِلَيْهِ إِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا أَنْ يُكَافِئَهُ، وَنَقَلَ يَعْقُوبُ: لَا يَنْبَغِي لِلْخَاطِبِ إِذَا خَطَبَ لِقَوْمٍ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute