كِتَابُ الشَّهَادَاتِ
تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِا مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] [تَعْرِيفُ الشهادات وَحُكْمُهَا]
ِ. وَهِيَ جَمْعُ شَهَادَةٍ، وَهِيَ الْإِخْبَارُ عَمَّا شُوهِدَ أَوْ عُلِمَ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ انْعِقَادُهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَذَّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] ، لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ لَمْ تُوَاطِئْ أَلْسِنَتَهُمْ، وَالشَّهَادَةُ يَلْزَمُ مِنْهَا ذَلِكَ، فَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ، وَإِذًا لَمْ يَصْدُقْ إِطْلَاقُ (نَشْهَدُ) انْتَهَى.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّهَادَةُ خَبَرٌ قَاطِعٌ، فَتُطْلَقُ عَلَى التَّحَمُّلِ، تَقُولُ: شَهِدْتُ، بِمَعْنَى تَحَمَّلْتُ، وَعَلَى الْأَدَاءِ، تَقُولُ: شَهِدْتُ عِنْدَ الْقَاضِي شَهَادَةً؛ أَيْ: أَدَّيْتُهَا، وَعَلَى الْمَشْهُودِ بِهِ تَقُولُ: تَحَمَّلْتُ شَهَادَةً، يَعْنِي الْمَشْهُودَ بِهِ، وَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الْمُشَاهَدَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَمَّا شَاهَدَهُ، وَتُسَمَّى بَيِّنَةً لِأَنَّهَا تُبَيِّنُ مَا الْتُبِسَ.
وَهِيَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَلَا تُوجِبُه، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا.
وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] ، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ؛ لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ. (تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ) أَيِ: الْمَشْهُودِ بِهِ، فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ (وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْقَلْبَ بِالْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْعِلْمِ بِهَا، وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنَ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ، فَيُؤَدِّي إِلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ، وَشَأْنُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (إِذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ) وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute