فَصْلٌ الثَّانِي: خِيَارُ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَا فِي الْعَقْدِ خِيَارُ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَثْبُتُ فِيهَا، وَإِنْ طَالَتْ، وَلَا يَجُوزُ مَجْهُولًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ وَهُمَا عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[الثَّانِي خِيَارُ الشَّرْطِ]
فَصْلٌ (الثَّانِي: خِيَارُ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَا فِي الْعَقْدِ) وَظَاهِرُهُ لَوِ اتَّفَقَا قَبْلَهُ لَمْ يَلْزَمِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَبَعْدَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارَيْنِ (خِيَارُ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَثْبُتُ فِيهَا، وَإِنْ طَالَتْ) وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مُقَدَّرٌ يَعْتَمِدُ الشَّرْطَ فَيَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى مُشْتَرِطِهِ كَالْأَجَلِ، أَوْ مُدَّةٍ مُلْحَقَةٍ بِالْعَقْدِ فَجَازَ ما اتفقا عَلَيْهِ كَالْأَجَلِ، وَمَا رُوِيَ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَنَّ جَدَّهُ كَانَ يَغْبِنُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: «لَا خِلَابَةَ» وَمُسْلِمٌ: " لَا خِيَانَةَ " قِيلَ: هُوَ تَصْحِيفٌ، وَهُوَ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَاللُّزُومَ، وَإِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ، فَجَازَ فِي الثَّلَاثَةِ لِلْحَاجَةِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِحَبَّانَ، لِأَنَّهُ كَانَ أَصَابَهُ آمَةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ، وَكَانَ يَغْبِنُ وَيَرُدُّ السِّلَعَ عَلَى التُّجَّارِ، وَيَقُولُ: الرَّسُولُ جَعَلَ لِي الْخِيَارَ ثَلَاثًا، وَعَاشَ إِلَى زَمَنِ عُثْمَانَ وَتَقْدِيرُهَا بِالْحَاجَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ الْحُكْمِ بِهَا لِخَفَائِهَا، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ لَا يَبْقَى إِلَى مُضِيِّهَا، كَطَعَامٍ رَطْبٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُحْفَظُ ثَمَنُهُ إِلَى الْمُدَّةِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً، فَإِنْ فَعَلَهُ حِيلَةً لِيَرْبَحَ فِيمَا أَقْرَضَهُ لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا يَجُوزُ مَجْهُولًا) كَقُدُومِ زَيْدٍ، أَوْ مَجِيءِ الْمَطَرِ أَوِ الْأَبَدِ (فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ، فَلَمْ تَجُزْ مَعَ الْجَهَالَةِ مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْأَبَدِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute