للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا،

وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِي،

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

نَسْأَلُ الْمُتَصَدِّقَ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا نَبْحَثُ، إِنَّمَا نَأْخُذُ مَا أَصَابَهُ مُجْتَمِعًا؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا، فَلَا يُسْتَحْلَفُ كَالصَّلَاةِ وَالْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ بِمَالٍ.

وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إِنِ اتُّهِمَ، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " إِنْ رَأَى الْعَامِلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ فَعَلَ، وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَكَذَا الْحُكْمُ إِنْ مَرَّ بِعَاشِرٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ عَشَرَهُ آخَرُ.

فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ بِقَدْرِ زَكَاتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَالِهِ صُدِّقَ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْيَمِينِ.

[الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا]

(وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا تَامَّ الْمِلْكِ، وَقُوِّمَ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ فَلْيَتَّجِرْ بِهِ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَالِ الْيَتِيمِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ وَجَبَ الْعُشْرُ مِنْ زَرْعِهِ، وَجَبَ رُبْعُ الْعُشْرِ فِي رِزْقِهِ، كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مُخْتَصَّةٌ بِالْبَدَنِ، فَإِنَّ نِيَّةَ الصَّبِيِّ ضَعِيفَةٌ، وَالْمَجْنُونُ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُ نِيَّتُهَا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ لِنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ، فَعَلَى هَذَا (يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا) مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَوَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَدَاؤُهُ عَنْهُمَا، كَنَفَقَةِ قَرِيبِهِ، وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْهُ فِي الْإِخْرَاجِ كَرَبِّ الْمَالِ.

[لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِي]

(وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ) إِنْ كَانَ أَمِينًا؛ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧١] الْآيَةَ وَكَالدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الْقَابِضَ مِنْ سَيِّدٍ، قَبَضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلِيَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ إِيصَالِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ إِلَى الْإِمَامِ، (وَلَهُ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِي) لِمَا رَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فَقُلْتُ: لِي مَالٌ، وَأُرِيدُ إِخْرَاجَ زَكَاتِهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إِلَيْهِمْ، فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ مُسْتَحِقِّهَا، فَجَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَظَهَرَ أَنَّ لَهُ دَفْعَهَا إِلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا.

قَالَ أَحْمَدُ: الصَّحَابَةُ يَأْمُرُونَ بِدَفْعِهَا، وَقَدْ عَلِمُوا فِيمَا يُنْفِقُونَهَا، وَفِي " الْأَحْكَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>