فَصْلٌ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا، وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي التَّعَدِّي قُبِلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ ; لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ الْقَبْضِ: مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ أَبَقَ، أَوْ شَرَدَتِ الدَّابَّةُ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا صُدِّقَ وَحَلَفَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ، فَلَوِ ادَّعَى مَرَضَهُ، وَأَصَابَهُ صَحِيحًا قُبِلَ قَوْلُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ، أَوْ كَذَّبَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْإِبَاقِ دُونَ الْمَرَضِ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ هَلَاكِ الْعَيْنِ قُدِّمَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ.
[فَصْلٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ]
فَصْلٌ (وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) أَيْ إِذَا أَطْلَقَ، وَكَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ كَأَرْضٍ، وَدَارٍ، وَنَحْوِهِمَا، أَوْ ذِمَّةٍ ; لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْبَيْعِ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَالَّةً مِنْ نَقْدِ بَلَدِ الْعَقْدِ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا غَيْرَهُ، وَقَالَ طَائِفَةٌ: لَا يَمْلِكْهَا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهَا إِلَّا يَوْمًا بِيَوْمٍ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] أَمَرَ بِإِيتَائِهِنَّ بَعْدَ الرَّضَاعِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» ، وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ لَمْ يُمْلَكْ فَلَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ كَالْعِوَضِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ.
وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ عِوَضٌ أُطْلِقَ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَيَسْتَحِقُّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ كَالثَّمَنِ، وَالصَّدَاقِ، وَلَهُ الْوَطْءُ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَتَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِيتَاءَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الرِّضَاعِ أَوْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، وَتَحَقُّقُهُ أَنَّ الْإِيتَاءَ فِي وَقْتٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ قَبْلَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٤] ، وَالصَّدَاقُ يَجِبُ قَبْلَ الِاسْتِمْتَاعِ مَعَ أَنَّهُمَا إِنَّمَا وَرَدَا فِيمَنِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ، فَأَمَّا مَا وَقَعَتِ الْإِجَارَةُ فِيهِ عَلَى مُدَّةٍ فَلَا تَعَرُّضَ لَهَا فِيهِ (إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا) فَلَا يَجِبُ كَمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى تَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَ تَأْجِيلِهَا، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْعًا فِي الذِّمَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute