بَابُ اللُّقَطَةِ وَهِيَ الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ
وَتَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: مَا لَا تَتْبَعُهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَجَبَ فِي تَرِكَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُ أَخْذِ الْآبِقِ لِمَنْ وَجَدَهُ، بِخِلَافِ الضَّوَالِّ الَّتِي تَحْفَظُ نَفْسَهَا، وَهُوَ أَمَانَةٌ، وَمَنِ ادَّعَاهُ فَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ أَخَذَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَيِّدَهُ دَفَعَهُ إِلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ؛ لِيَحْفَظَهُ لِصَاحِبِهِ، وَلَهُ بَيْعُهُ لِمَصْلَحَةٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَإِنْ قَالَ: كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ؛ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ، فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَخْذُ ثَمَنِهِ، وَيُصْرَفُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، فَإِنْ عَادَ السَّيِّدُ فَأَنْكَرَ الْعِتْقَ وَطَلَبَ الْمَالَ دُفِعَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ بَيْعُهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَفِظُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ، فَإِنْ بَاعَهُ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
[بَابُ اللُّقَطَةِ]
[تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ]
بَابُ اللُّقَطَةِ حُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ: اللُّقَطَةُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ: الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ، وَحُكِيَ عَنْهُ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهَا اسْمٌ لِلْمُلْتَقَطِ؛ لِأَنَّ مَا جَاءَ عَلَى فُعَلَةٍ فَهُوَ اسْمُ الْفَاعِلِ كَالضُّحَكَةِ، وَالْهُمَزَةِ، وَاللُّمَزَةِ، وَبِسِكُونِ الْقَافِ مَا يُلْتَقَطُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ، وَالْفَرَّاءُ: هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمُلْتَقَطِ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ، وَلَقَطَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ.
(وَهِيَ الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى اللُّقَطَةِ شَرْعًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِغَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَتُسَمَّى ضَالَّةً، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا، وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ، فَقَالَ: خُذْهَا، فَإِنْمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَهَا أَرْكَانٌ ثَلَاثَةٌ، أَحَدُهَا: الْمَالُ الضَّائِعُ، الثَّانِي: الِالْتِقَاطُ، الثَّالِثُ: الْمُلْتَقَطُ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ يَصِحُّ اكْتِسَابُهُ بِالْفِعْلِ مِنِ اصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute