الْوَاجِدُ لِزَادِهِ وَمَا يَحْمِلُهُ إِذَا كَانَ بَعِيدًا.
وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إِلَى تَأْخِيرِهِ، وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ أَوْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ.
وَأَفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ، وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوِ الْبَرِّ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِزَادِهِ) أَيْ: الْقَادِرُ عَلَى النَّفَقَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٩١] وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِآلَةٍ، فَاعْتُبِرَتِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، وَسَوَاءٌ وُجِدَ ذَلِكَ، أَوْ بِبَذْلٍ مِنَ الْإِمَامِ، قَالَهُ الْمَجْدُ (وَمَا يَحْمِلُهُ إِذَا كَانَ بَعِيدًا) أَيْ: يُعْتَبَرُ مَعَ الْبُعْدِ - وَهُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ - مَرْكُوبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: ٩٢] الْآيَةَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ، وَإِنَّمَا الْمُشْتَرَطُ أَنْ يَجِدَ الزَّادَ، وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ فِي مُدَّةِ غَيْبَتِهِ، وَسِلَاحٌ يُقَاتِلُ بِهِ فَاضِلًا عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَأُجْرَةِ مَسْكَنِهِ، عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ.
[أَقَلُّ مَا يُفْعَلُ مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ]
(وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَرَّةً فِي الْعَامِ، وَهِيَ بَدَلٌ عَنِ النُّصْرَةِ، فَكَذَا مُبْدَلُهَا فَإِنْ مَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَجَبَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ (إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إِلَى تَأْخِيرِهِ) كَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَدَدٍ أَوْ عُدَّةٍ، أَوْ يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ عَدَدًا يَسْتَعِينُ بِهِمْ، أَوْ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ إِلَيْهِمْ مَانِعٌ، أَوْ رَجَاءَ إِسْلَامِهِمْ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ قُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ، وَأَخَّرَ قِتَالَهُمْ حَتَّى نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَأَخَّرَ قِتَالَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ بِغَيْرِ هُدْنَةٍ. وَظَاهِرُهُ بِهُدْنَةٍ، وَبِغَيْرِهَا. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ مَعَ الْقُوَّةِ وَالِاسْتِظْهَارِ لِمَصْلَحَةِ رَجَاءِ إِسْلَامِ الْعَدُوِّ، وَهَذَا رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَلَا يُعْتَبَرُ أَمْنُ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ وَضْعَهُ عَلَى الْخَوْفِ.
(وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ مَنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ، أَوْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) وَكَذَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْبُلْغَةِ " فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، وَتَقَابَلَ الصَّفَّانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: ٤٥] الْآيَةَ.
الثَّانِي: إِذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بِبَلَدٍ، تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهِ قِتَالُهُمْ، وَدَفْعُهُمْ، كَحَاضِرِي الصَّفِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute