للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومًا فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ حَرْبِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا، وَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ يَدَ مُرْتَدٍّ، أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ رَمَى حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

[الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومًا]

فَصْلٌ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومًا) أَيْ: مَعْصُومَ الدَّمِ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا شُرِعَ حِفْظًا لِلدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ وَزَجْرًا عَنْ إِتْلَافِ الْبِنْيَةِ الْمَطْلُوبِ بَقَاؤُهَا، وَذَلِكَ مَعْدُومُ في غير الْمَعْصُومِ (فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ حَرْبِيٍّ) لَا نَعْلَمُ فيهِ خِلَافًا، وَلَا تَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ، وَلَا كَفَّارَةٌ ; لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا (وَلَا مُرْتَدٍّ) لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ، أَشَبَهَ الْحَرْبِيَّ. (وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ) أَيْ: لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ قِصَاصٌ، وَلَا دِيَةٌ، وَلَا كَفَّارَةٌ كَالْمُرْتَدِّ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا أَنَّ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْقَوَدَ ; لِأَنَّ قَتْلَهُ إِلَى الْإِمَامِ كَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إِذَا قَتَلَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ مُتَحَتِّمٌ قَتْلُهُ، فَلَمْ يَضْمَنْ كَالْحَرْبِيِّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ ": وَالْمُرَادُ قَبْلَ التَّوْبَةِ فَهَدَرٌ، وَإِنْ بَعْدَهَا إِنْ قُبِلَتْ ظَاهِرًا فَكَإِسْلَامٍ طَارِئٍ فَدَلَّ أَنْ طَرَفَ مُحْصَنٍ كَمُرْتَدٍّ لَا سِيَّمَا وَقَوْلُهُمْ: عُضْوٌ مِنْ نَفْسٍ، وَجَبَ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ لِلِافْتِئَاتِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ كَمَنْ قَتَلَ حَرْبِيًّا (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مُسَاوَاةِ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمَا صَادَفَ مَحَلَّهُ، وَيُحْتَمَلُ فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِالزَّانِي الْمُحْصَنِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " ; لِأَنَّ الْحَدَّ لَنَا، وَالْإِمَامُ نَائِبٌ، قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ ": إِنْ أَسْرَعَ وَلِيُّ قَتِيلٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَقَتَلَ قَاطِعَ طَرِيقٍ قَبْلَ وُصُولِهِ الْإِمَامَ، فَلَا قَوَدَ ; لِأَنَّهُ انْهَدَرَ دَمُهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَا دِيَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ يَدَ مُرْتَدٍّ، أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ رَمَى حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَى مَعْصُومٍ، وَلِأَنَّهُ رَمَى مَنْ هُوَ مَأْمُورٌ بِرَمْيِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ ; لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّضْمِينِ بِحَالِ ابْتِدَاءِ الْحَيَاةِ ; لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ وَحَالُهَا لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ أَهْلًا لِأَنَّ يَضْمَنَ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>