فَصْلٌ
وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، أَيْ وَقْتَ رَأَتِ الطُّهْرَ، فَهِيَ طَاهِرٌ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[النِّفَاسُ]
(وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ) وَهُوَ دَمٌ يُرْخِيهِ الرَّحِمُ لِلْوِلَادَةِ، وَبَعْدَهَا إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَهُوَ بَقِيَّةُ الدَّمِ الَّذِي احْتُبِسَ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ لِأَجْلِهِ، وَأَصْلُهُ لُغَةً مِنَ التَّنْفِيسِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَوْفِ، أَوْ نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ أَيْ: فَرَّجَهَا (أَرْبَعُونَ يَوْمًا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، لِمَا رَوَتْ مُسَّةُ الْأَزْدِيَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنَ الْكَلَفِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُسَّةَ، وَإِسْنَادُهُ إِلَيْهَا حَسَنٌ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَثْنَى الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَعْنَاهُ كَانَتْ تُؤْمَرُ أَنْ تَجْلِسَ، وَإِلَّا كَانَ الْخَبَرُ كَذِبًا مَعَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ سَابِقٌ أَوْ كَالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ حَكَاهُ إِمَامُنَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَمْ يَقُلْ بِالسِّتِّينَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ السُّنَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا، وَعَنْهُ: أَكْثَرُهُ سِتُّونَ اتِّبَاعًا لِلْوُجُودِ.
وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنَ الْوَضْعِ، إلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ نِفَاسٌ، وَلَا يُحْسَبُ مِنَ الْمُدَّةِ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ، فَالدَّمُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ نِفَاسٌ، وَلَا يُحْسَبُ مِنَ الْمُدَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْأَشْهَرِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ إِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْأَكْثَرَ، وَصَادَفَ عَادَةَ حَيْضِهَا، وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ، فَحَيْضٌ، وَإِلَّا فَاسْتِحَاضَةٌ إِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، وَلَا يَدْخُلْ حَيْضٌ، وَاسْتِحَاضَةٌ فِي مُدَّةِ نِفَاسٍ.
(وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ تَحْدِيدُهُ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا عَقِبَ سَبَبِهِ، فَكَانَ نِفَاسًا كَالْكَثِيرِ، وَعَنْهُ: أَقَلُّهُ يَوْمٌ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute