للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الِاسْتِطَاعَةُ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً صَالِحَةً لِمِثْلِهِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

[الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ]

فَصْلٌ (الشَّرْطُ الْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وَلِأَنَّ الْخِطَابَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْتَطِيعِ؛ لِأَنَّ " مَنْ " بَدَلٌ مِنَ " النَّاسِ " فَتَقْدِيرُهُ (وَلِلَّهِ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ) لِانْتِفَاءِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ شَرْعًا وَعَقْلًا، (وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؛ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ السَّبِيلِ فَقَالَ: " الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَكَذَا. رَوَاهُ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ عَنْهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا كَالْجِهَادِ، وَلَيْسَ هُوَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ، وَالْإِجْزَاءِ فَإِنَّ خَلْقًا مِنَ الصَّحَابَةِ حَجُّوا، وَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ إِنَّمَا شُرِطَتْ لِلْوُصُولِ فَإِذَا وَصَلَ وَفَعَلَ، أَجْزَأَهُ كَالْمَرِيضِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَأَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لِمَنْ يَحْتَاجُهُمَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَقِيلَ: مَنْ قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ عَنْ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، لَزِمَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ فَإِنْ كَانَ عَادَتَهُ السُّؤَالُ، وَالْعَادَةُ إِعْطَاؤُهُ فَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>