فَصْلٌ
فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا، يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً إِلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَرَضِ أَكْثَرُ مِنْ مَشَقَّةِ النُّزُولِ بِالْمَطَرِ، لَكِنْ قَيَّدَهَا فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ النُّزُولَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحْمَدُ بِخِلَافِهِ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْزِلُ مَرْضَاهُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْأَرْضِ أَسْكَنُ لَهُ، وَأَمْكَنُ، بِخِلَافِ صَاحِبِ الطِّينِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ مَعَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ زِيَادَةِ ضَرَرٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ.
أَمَّا إِذَا خَافَ انْقِطَاعًا عَنِ الرُّفْقَةِ، أَوِ الْعَجْزَ عَنِ الرُّكُوبِ، فَيُصَلِّي كَخَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَدُوٍّ.
فَرْعٌ: مَنْ أَتَى بِكُلِّ فَرْضٍ أَوْ شَرْطٍ لِلصَّلَاةِ، وَصَلَّى عَلَيْهَا بِلَا عُذْرٍ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا - مَنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ وَاقِفَةً، أَوْ سَائِرَةً، صَحَّتْ. وَمَنْ كَانَ فِي مَاءٍ وَطِينٍ أَوْمَأَ، كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ، وَالْغَرِيقُ يَسْجُدُ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ.
[فَصْلٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ]
[السَّفَرُ الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ وَالْجَمْعِ وَالْإِفْطَارِ]
فَصْلٌ
فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ أَجْمَعُوا عَلَى قَصْرِهَا بِشَرْطِهِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] عَلَّقَ الْقَصْرَ بِالْخَوْفِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى غَالِبِ أَسْفَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَكْثَرُهَا لَمْ يَخْلُ مِنْ عَدُوٍّ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْقَصْرَ قِسْمَانِ:
مُطْلَقٌ؛ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَصْرُ الْأَفْعَالِ، وَالْعُذْرُ، كَصَلَاةِ الْخَوْفِ حَيْثُ كَانَ مُسَافِرًا، فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي صَلَاةِ الْأَمْنِ، وَالْآيَةُ وَرَدَتْ عَلَى هَذَا.
وَمُقَيَّدٌ؛ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَصْرُ الْعَدَدِ فَقَطْ كَالْمُسَافِرِ، أَوْ قَصْرُ الْعَمَلِ فَقَطْ، كَالْخَائِفِ؛ وَهُوَ حَسَنٌ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ «قَوْلُ يَعْلَى لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَا لَنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ