الْكَفِيلِ، وَفِي رِضَى الْمَكْفُولِ بِهِ وَجْهَانِ، وَمَتَى أَحْضَرَ الْمَكْفُولَ بِهِ وَسَلَّمَهُ بَرِئَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الثَّالِثَةُ: إِذَا كَفَلَ بِإِنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَفِيلٌ بِآخَرَ، أَوْ ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ، صَحَّ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ، أَوْ ضَمَانٌ، فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عَقْدٍ عَلَى آخَرَ، فَلَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا إِذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْحَقِّ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُؤَقَّتِ كَالْمُعَلَّقِ بِشَرْطِهِ، فَلَوْ كَفَلَهُ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، فَلَمْ يَجُزْ تَوْقِيتُهُ كَالْهِبَةِ، وَفِي " التَّنْبِيهِ " إِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَحْضُرْهُ لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إِذَا لَمْ يُطَالِبْهُ بِإِحْضَارِهِ فِيهَا.
فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: كَفَلْتُ بَدَنَ فُلَانٍ عَلَى أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فَيَفْسُدُ عَقْدُ الْكَفَالَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَقِيلَ: يَصِحُّ الشَّرْطُ، لِأَنَّهُ شَرَطَ تَحْوِيلَ الْوَثِيقَةِ فَعَلَيْهِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَالَةُ إِلَّا أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ مِنْهَا.
[عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ إِلَّا بِرِضَا الْكَفِيلِ]
(وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِرِضَا الْكَفِيلِ) ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً إِلَّا بِرِضَاهُ (وَفِي رِضَا الْمَكْفُولِ بِهِ وَجْهَانِ) أَشْهَرُهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ كَالضَّمَانِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِحْضَارُهُ، فَإِذَا كُفِلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ مَعَهُ بِخِلَافِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الضَّامِنَ يَقْضِي الْحَقَّ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْمَكْفُولِ لَهُ، لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ لَا قَبْضَ فِيهَا، فَصَحَّتْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ كَالشَّهَادَةِ (وَمَتَى أَحْضَرَ الْمَكْفُولَ بِهِ) مَكَانَ الْعَقْدِ بَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ (وَسَلَّمَهُ بَرِئَ) مُطْلَقًا إِذَا لَمْ تَكُنْ يَدٌ حَائِلَةٌ ظَالِمَةٌ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الشَّرْحِ "، وَعَنْهُ: لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ بَرِئْتُ لَكَ مِنْهُ، أَوْ قَدْ سَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute