وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بْنِ عَامِرٍ عَنْ مُعَاذٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا قَالَ: «فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
[الْهِجْرَةُ وَأَحْكَامُهَا]
(وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجَزُ عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَهِيَ مَا يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْكُفْرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: ٩٧] الْآيَاتِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلِمَ؟ قَالَ: لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَمَعْنَاهُ: لَا يَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَرَى نَارَهُمْ، وَيَرَوْنَ نَارَهُ إِذَا أُوقِدَتْ.
وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِأَمْرِ الدِّينِ وَاجِبٌ عَلَى الْقَادِرِ، وَالْهِجْرَةَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاجِبِ وَتَتِمَّتُهُ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
وَشَرْطُهُ أَنْ يُطِيقَ ذَلِكَ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الْفُرُوعِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: ٩٨] الْآيَةَ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ دَارَ الْبُغَاةِ، وَالْبِدْعَةِ كَرَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَوْ فِي الْعُدَّةِ، بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " إِنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنَ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهَا، لَمْ تُهَاجِرْ إِلَّا بِمَحْرَمٍ، كَالْحَجِّ، وَمَعْنَاهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " وَزَادَ: إِنْ أَمْكَنَهَا إِظْهَارُ دِينِهَا، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إِشْعَارٌ بِبَقَاءِ حُكْمِ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ إِذْ حُكْمُهَا مُسْتَمِرٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» ، «وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ» أَيْ: لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ إِلَيْهِ، لَا مِنْهُ.
(وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ جِهَادِهِمْ، وَيُكَثِّرُ الْمُسْلِمِينَ، وَيُعِينُهُمْ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْثِيرِ عَدُوِّهِمْ، الِاخْتِلَاطِ بِهِمْ، وَقَضِيَّةُ نُعَيْمٍ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: تَجِبُ. وَأَطْلَقَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": لَا يُسَنُّ لِامْرَأَةٍ بِلَا رُفْقَةٍ، مَنْ صَلَّى لَزِمَتْهُ الْهِجْرَةُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute