للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ التَّعْزِيرِ وَهُوَ التَّأْدِيبُ. وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، كَالِاسْتِمْتَاعِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ، فَلَوْ وُضِعَ فِيهِ مَا يُحَمِّضُهُ، كَالْخَلِّ وَاللَّيْمُونِ، كَمَا يُوضَعُ فِي الْفَقَّاعِ الْمُشَذَّبِ، فَهَذَا يَجُوزُ شُرْبُهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ حُمُوضَتَهُ تَمْنَعُهُ أَنْ يَشْتَدَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ التَّعْزِيرِ]

[تَعْرِيفُ التعزير وَحُكْمُهُ]

بَابُ التَّعْزِيرِ.

التَّعْزِيرُ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ، يُقَالُ: عَزَّرْتُهُ، أَيْ: مَنَعْتُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّأْدِيبُ، وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي الْقَبِيحِ، وَمِنْهُ: التَّعْزِيرُ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ، لِأَنَّهُ مَنْعٌ لِعَدُوِّهِ مِنْ أَذَاهُ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: يُقَالُ: عَزَّرْتُهُ وَوَقَّرْتُهُ، وَأَيْضًا أَدَّبْتُهُ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَهُوَ طَرِيقٌ إِلَى التَّوْقِيرِ، لِأَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ بِهِ وَصُرِفَ عَنِ الدَّنَاءَةِ حَصَلَ لَهُ الْوَقَارُ وَالنَّزَاهَةُ (وَهُوَ التَّأْدِيبُ) فَبَيَانٌ لِمَعْنَى التَّعْزِيرِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْنِي بِالْعُقُوبَةِ الْمَشْرُوعَةِ عَلَى جِنَايَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَا، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِيهِ نَظَرٌ (وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ) وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ عَنَى بِهِ فِعْلَ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكَ الْوَاجِبَاتِ فَاللَّفْظُ جَامِعٌ، وَإِنْ عَنَى فِعْلَ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَطْ، فَغَيْرُ جَامِعٍ، بَلِ التَّعْزِيرُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ أَيْضًا، وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَفْتَقِرُ إِلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِهَا، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا حَدٌّ وَلَا كَفَّارَةٌ وَجَبَ أَنْ يُشْرَعَ فِيهَا التَّعْزِيرُ، لِتَحْقِيقِ الْمَانِعِ مِنْ فِعْلِهَا، وَفِي الشَّرْحِ: هُوَ وَاجِبٌ إِذَا رَآهُ الْإِمَامُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ التَّعْزِيرُ، وَعَنْهُ: يُعَزَّرُ الْمُكَلَّفُ نَدْبًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي تَعْزِيرِ رَقِيقِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَشَاهِدِ زُورٍ، وَفِي الْوَاضِحِ: فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْهَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي سَبِّ صَحَابِيٍّ كَحَدٍّ، وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ، وَقَوْلُنَا: وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، فَائِدَتُهُ فِي الظِّهَارِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، لَكِنْ يُقَالُ: يَجِبُ التَّعْزِيرُ فِيهِ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الْفِعْلِ، بَلْ بَدَلُ النَّفْسِ الْفَائِتَةِ، فَأَمَّا نَفْسُ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ الْجِنَايَةُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَيَظْهَرُ هَذَا بِمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا، اسْتَحَقَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>