فَصْلٌ وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا قَالَ: أَنَا رَجُلٌ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدُ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ، لَمْ يَنْكِحْ إِلَّا رَجُلًا، فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِرَجُلٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] ، وَإِنَّمَا حَرُمَ نِكَاحُهَا ; لِمَا فِيهِ مِنْ إِرْقَاقِ الْوَلَدِ وَإِبْقَائِهِ مَعَ كَافِرَةٍ، وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي التَّسَرِّي، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ.
[نِكَاحُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ]
فَصْلٌ (وَلَا يَحِلُّ) أَيْ: لَا يَصِحُّ (نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ) نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ جِهَةَ مَا يُبِيحُ لَهُ النِّكَاحَ، فَلَمْ يَبُحْ لَهُ كَمَا لَوِ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا قَالَ: أَنَا رَجُلٌ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ فِي الْحَيَوَانَاتِ بِمَيْلِ الذَّكَرِ، وَبِالْعَكْسِ، وَهَذَا الْمَيْلُ فِي النَّفْسِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَرُجِعَ فِيهِ إِلَيْهِ ; لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا رُجِعَ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي حَيْضِهَا وَعِدَّتِهَا، وَهَذَا فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِحُكْمِهِ.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدُ) ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَحْرِيمِهِ ; وَلِأَنَّهُ إِذَا ادَّعَى غَيْرَ الْأَوَّلِ، يَكُونُ مُكَذِّبًا بِالنَّفَقَةِ، مُدَّعِيًا دَعْوَى يُنَاقِضُ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ، فَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ كَالْإِنْكَارِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ لَمْ يَنْكِحْ إِلَّا رَجُلًا) ; لِمَا ذَكَرْنَا (فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ) ; لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِلَّا جَمِيعُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَوْلِهِ: أَنَا رَجُلٌ بِتَحْرِيمِ الرِّجَالِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ بِتَحْرِيمِ النِّسَاءِ (وَلَوْ تَزَوَّجَ بِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ) ; لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إِسْقَاطِ حَقِّ الْغَيْرِ، فَإِذَا زَالَ النِّكَاحُ، فَلَا مَهْرَ ; لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": إِنْ عَادَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ بِمُتَزَوِّجٍ مُنِعَ نِكَاحُ الصِّنْفَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ عِنْدِي، وَظَاهِرُهُ: قَوْلُ أَصْحَابِنَا: لَا يُمْنَعُ مِنَ الصِّنْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute