بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَهِيَ تَمْلِيكٌ فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ
وَإِنْ شَرَطَ فِيهَا عِوَضًا مَعْلُومًا صَارَتْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِعَارَةٍ، أَوْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، فَلَيْسَ لَهُ دَعْوَى الْبِنَاءِ بِلَا حُجَّةٍ، وَيَدُ أَهْلِ الْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ثَابِتَةٌ عَلَى مَا فِيهَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ، إِلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ بِاخْتِصَاصِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ.
[بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ]
[تَعْرِيفُ الْهِبَةِ]
بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ أَصْلُهَا مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ أَيْ مُرُورِهِ، يُقَالُ: وَهَبْتُ لَهُ شَيْئًا وَهْبًا - بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا - وَهِبَةً، وَالِاسْمُ الْمَوْهِبُ، وَالْمَوْهِبَةُ، بِكَسْرِ الْهَاءِ فِيهِمَا، وَالِاتِّهَابِ: قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالِاسْتِيهَابُ سُؤَالُ الْهِبَةِ، وَتَوَاهَبَ الْقَوْمُ أَيْ وَهَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَوَهَبْتُهُ كَذَا، لُغَةٌ قَلِيلَةٌ. وَالْعَطِيَّةُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ الشَّيْءُ الْمُعْطَى، وَالْجَمْعُ الْعَطَايَا، وَالْعَطِيَّةُ هُنَا الْهِبَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَذَكَرَ الْهِبَةَ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَأَحْكَامَهَا، قَالَهُ فِي " الْمَطْلَعِ ".
(وَهِيَ تَمْلِيكٌ فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) ، فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ مَا لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ كَالْعَرِيَّةِ، فَإِنَّهَا إِبَاحَةٌ، وَبِالثَّانِي الْوَصِيَّةُ، وَبِالثَّالِثِ عُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَهُ الْمَعْلُومُ الْمَوْجُودُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " بِمَا يُعَدُّ هِبَةً عُرْفًا، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (وَإِنْ شَرَطَ فِيهَا عِوَضًا مَعْلُومًا) صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَصَارَتْ بَيْعًا) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ وَالشُّفْعَةُ، وَحُكِيَ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا أَنَّهَا تَصِحُّ بِقِيمَتِهَا، فَعَلَيْهِ يَلْغُو الثَّوَابُ الْمَشْرُوطُ، وَيَرْجِعُ إِلَى قِيمَتِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ إِذَا جَعَلَ الثَّوَابَ مَجْهُولًا، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي " الْفَائِقِ "، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْهِبَةِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا وَلِنَفْيِ الثَّمَنِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ، فَصَحَّ كَغَيْرِهِ (وَعَنْهُ: يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْهِبَةِ) ، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ لَفْظَهَا الصَّرِيحَ، فَكَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهَا الْهِبَةَ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْرُطْ عِوَضًا، وَحِينَئِذٍ لَا يَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْهِبَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَقْتَضِي عِوَضًا سَوَاءٌ كَانَتْ لِمَثَلِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَعَلَا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: هِيَ مِنَ الْأَدْنَى تَقْتَضِي عِوَضًا هُوَ الْقِيمَةُ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: مَنْ وَهَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute