كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَلَكِنْ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَيُحَمِّلُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا يَسْهُلُ وَلَا يَشُقُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجْعَلُ عَلَى الْمُوسِرِ نِصْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبْعًا، وَهَلْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
خِلَافًا فِي أَنَّهَا تَجِبُ مُؤَجَّلَةً رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً: هُوَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا، وَحَكَاهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ قَوْمٍ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهَا تُخَالِفُ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ، وَاقْتَضَى تَغْلِيظَهَا مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ الْأَسْنَانُ، وَتَخْفِيفَهَا مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ لَهَا وَتَأْجِيلُهَا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ» الْحَدِيثَ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا كَالْخَطَأِ، وَعَنْهُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا كَذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي، وَقِيلَ: حَالًّا، قَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَةِ كَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ حَالًّا، وَفِي التَّبْصِرَةِ: لَا تَحْمِلُ عَمْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا دُونَ الثُّلْثِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي مَالِ جَانٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَفِي الرَّوْضَةِ دِيَةُ الْخَطَأِ فِي خَمْسِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ خُمْسُهَا
[مَا يَحْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ]
(وَمَا يَحْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ) لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مِنَ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ (وَلَكِنْ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ كَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ (فَيَحْمِلُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا يَسْهُلُ وَلَا يَشُقُّ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنِ الْجَانِي مَا يَثْقُلُ عَلَى غَيْرِهِ وَيُجْحِفُ بِهِ كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ الْإِجْحَافَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا كَانَ الْجَانِي أَحَقَّ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجْعَلُ عَلَى الْمُوسِرِ) وَهُوَ مَالِكُ نِصَابٍ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَاضِلًا عَنْهُ كَحَجٍّ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ (نِصْفَ دِينَارٍ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَتَقَدَّرُ فِي الزَّكَاةِ (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبْعًا) قَوْلُهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ تَافِهٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute