أَحَدُهُمَا: الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ مِثْلَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ فَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهُ، أَوْ بِعَيْنٍ فَيَهَبَ لَهُ بَعْضَهَا وَيَأْخُذَ الْبَاقِيَ، صَحَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ، أَوْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمَأْذُونِ لَهُ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إِلَّا فِي حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ صَالَحَ عَن
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[أَقْسَامُ الصُّلْحِ] [صُلْحٌ عَلَى الْإِقْرَارِ] [الْأَوَّلُ الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ]
(الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: صُلْحٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَهُوَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ مِثْلَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ فَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهُ، أَوْ بِعَيْنٍ) كَدَارٍ (فَيَهَبَ لَهُ بَعْضَهَا وَيَأْخُذَ الْبَاقِيَ، فَيَصِحُّ) ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْنَعُ مِنْ إِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ، كَمَا لَا يُمْنَعُ مِنِ اسْتِيفَائِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَلَّمَ غُرَمَاءَ جَابِرٍ لِيَضَعُوا عَنْهُ، وَقَضِيَّةُ كَعْبٍ مَعَ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ لَيْسَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ، فَوَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ حَقِّهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْبَاقِيَ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُمَا إِذَا كَانَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهِيَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ صَالَحَ عَنْ بَعْضِ مَالِهِ بِبَعْضٍ فَهُوَ هَضْمٌ لِلْحَقِّ، وَالثَّانِيَةُ: وَهِيَ ظَاهِرُ " الْمُوجَزِ "، وَ " التَّبْصِرَةِ " وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَصِحُّ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ مَنَعَ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى الصُّلْحَ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَأَبَاهُ الْأَكْثَرُونَ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ وَفَّاهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَهُوَ وَفَاءٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مُعَاوَضَةً، وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِهِ فَهُوَ إِبْرَاءٌ، وَإِنْ وَهَبَهُ بَعْضَ الْعَيْنِ فَهُوَ هِبَةٌ، وَلَا يُسَمَّى صُلْحًا فَالْخِلَافُ إِذَنْ فِي التَّسْمِيَةِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَشَرْطُهُ (إِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ أَكْلٌ لِمَالِ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ وَهَضْمٌ لِلْحَقِّ (أَوْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ) أَيْ: بِدُونِ الصُّلْحِ، فَلَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمَأْذُونِ لَهُ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ) ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَهَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَهُ (إِلَّا فِي حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ) ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَمِثْلُهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ.
وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي شَرْحِهِ عَلَى " الْمُحَرَّرِ "، لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعَ الْإِقْرَارِ، أَوْ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute