للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَصِحُّ مِنَ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: ١٣٢] ، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: ١٥١] وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَطِيبِ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، أَيْ: آمُرُكُمْ، فَقَوْلُهُ: هِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ إِلَى آخِرِهِ بَيَانٌ لِأَحَدِ نَوْعَيِ الْوَصِيَّةِ، وَهِيَ أَنْ يُوصِيَ إِلَى إِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، أَوْ يُفَرِّقَ ثُلُثَ مَالِهِ، وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ أَخْرَجَ الْوَكَالَةَ، وَقَدْ أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ لِعُمَرَ، وَوَصَّى بِهَا إِلَى أَهْلِ الشُّورَى، وَلَمْ يُنْكَرْ، وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ يَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَيُنْفِقُ عَلَى أَيْتَامِهِمْ مِنْ مَالِهِ (وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ هِيَ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ) هَذَا بَيَانُ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْهَا، وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ أَخْرَجَ الْهِبَةَ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالٍ يَقِفُ نُفُوذُهُ عَلَى خُرُوجِهِ مِنَ الثُّلُثِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْعَطِيَّةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةً، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَصِيَّةً لِمُخَالَفَتِهَا لَهَا فِي الِاسْمِ وَالْحُكْمِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَفِي حَدِّهِ اخْتِلَالٌ مِنْ أَوْجُهٍ. وَقَدْ يُعْتَرَضُ أَيْضًا بِأَنَّهَا: قَدْ تَكُونُ بِحَقٍّ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ بِمَالٍ. قَوْلُهُ بِالْمَالِ، أَيْ بِجُزْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ تَكُونُ بِكُلِّهِ، وَيُجِيزُهُ الْوَارِثُ.

وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: الْمُوصِي، وَالْمُوصَى لَهُ، وَالْمُوصَى بِهِ، وَالصِّيغَةُ، وَهِيَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، فَلَوْ قَالَ: هَذَا لِفُلَانٍ، فَهُوَ إِقْرَارٌ، وَلَيْسَ بِوَصِيَّةٍ إِلَّا أَنْ يَتَوَافَقَا عَلَى إِرَادَةِ الْوَصِيَّةِ، فَيَصِحُّ. وَلَوْ قَالَ: هَذَا مِنْ مَالِي لِفُلَانٍ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ مَعَ التَّعْيِينِ، فَلَوْ أَوْصَى لِمَسْجِدٍ، أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَالْفُقَرَاءِ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَبُولٍ.

[مَنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ]

(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ (مِنَ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ، عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا) لِأَنَّ هِبَتَهُمْ صَحِيحَةٌ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، جَازَتْ وَصِيَّتُهُ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يُعَايِنِ الْمَوْتَ، قَالَهُ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ، وَظَاهِرُهُ فِي الْكَافِرِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَلَا لِمَالِهِ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْعَبْدِ إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ أَوْ عُتِقَ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهَا، وَالْحَاصِلُ: أَنَّهَا تَصِحُّ مِنَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ مُطْلَقًا، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي هَذَا، وَالضَّعِيفُ فِي عَقْلِهِ إِنْ مَنَعَ ذَلِكَ رُشْدَهُ فِي مَالِهِ، فَهُوَ كَالسَّفِيهِ، وَإِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>