وَهُمْ ضَرْبَانِ: ضَرَبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
" الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، فَإِنَّ الرَّقَبَةَ إِذَا أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، فَجَازَ صَرْفُهَا فِيهِ كَالْمُكَاتَبِ، وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يُعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَكَلَامُهُ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: كُنْتُ أَقُولُ: يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، وَلَكِنْ أَهَابُهُ؛ لِأَنَّهُ نَجَّزَ الْوَلَاءَ؛ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَنْتَفِي الدَّفْعُ إِلَى الرِّقَابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٦٠] الْمُرَادُ بِهَا الدَّفْعُ إِلَى الْغُزَاةِ، وَالدَّفْعُ إِلَى الْعَبْدِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَكُّ الرَّقَبَةِ.
وَبَالَغَ ابْنُ عَقِيلٍ فَادَّعَى أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنِ الْأُولَى لِظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ؛ لِأَنَّ مَا رَجَعَ مِنَ الْوَلَاءِ رَدٌّ فِي مِثْلِهِ، فَلَا يَنْتَفِعُ إِذًا بِإِعْتَاقِهِ مِنَ الزَّكَاةِ، وَعَنْهُ: الرِّقَابُ عَبِيدٌ يُشْتَرَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ، وَيُعْتَقُونَ خَاصَّةً، وَعَنْهُ: لَا يُعْتِقُ مِنْهَا رَقَبَةً كَامِلَةً بَلْ يُعِينُ فِي ثَمَنِهَا، فَإِنْ جَازَ، فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ عَنْ زَكَاتِهِ، فَفِي الْجَوَازِ وَجْهَانِ، وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ، ثُمَّ نَوَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ الشَّرْطِ لَمْ تُجْزِئْهُ.
فَرْعٌ: يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِلَا إِذْنِهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَهُوَ الْأَوْلَى، كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ رَقَّ لِعَجْزِهِ أُخِذَتْ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلَوْ بَلَغَتْ الزَّكَاةُ بِيَدِ الْمُكَاتَبِ أَجْزَأَتْ، وَلَمْ يَغْرَمْهَا، عَتَقَ أَوْ رُدَّ رَقِيقًا.
[الْغَارِمُونَ]
(السَّادِسُ: الْغَارِمُونَ) لِلنَّصِّ (وَهُمُ الْمَدِينُونَ) كَذَا فَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ؛ (وَهُوَ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: ١] أَيْ: وَصْلِكُمْ، وَالْبَيْنُ: الْوَصْلُ، وَالْمَعْنَى: كُونُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَمْرٍ أُبْرِمَ، وَالْمُرَادُ: أَنْ تَقَعَ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ وَضَغَائِنُ يَتْلَفُ بِهَا نَفْسٌ أَوْ مَالٌ، فَيَتَحَمَّلُ إِنْسَانٌ حَمَالَةً بِفَتْحِ الْحَاءِ لِإِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ وَسُكُونِ النَّارِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْقَبَائِلِ فَيَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَةِ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا، وَجَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَحَدِيثُ قَبِيصَةَ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْغَارِمَ يَأْخُذُ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ، وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute