يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا، وَإِنْ عَيَّنَ صَاحِبُهَا حِرْزًا فَجَعَلَهَا فِي دُونِهِ ضَمِنَ، وَإِنْ أَحْرَزَهَا بِمِثْلِهِ أَوْ فَوْقِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ إِلَّا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا (إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) فَيَضْمَنَهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ لِمَالِ غَيْرِهِ، فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِيدَاعٍ (وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مُؤْتَمَنٌ فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ، وَسَوَاءٌ ذَهَبَ مَعَهَا مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ أَوْ لَا. وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُ إِذَا تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَمَّنَهُ وَدِيعَةً ذَهَبَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ، وَالْأُولَى أَصَحُّ، قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يُنَافِي الْأَمَانَةَ، وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْرِيطِ مِنْ أَنَسٍ فِي حِفْظِهَا فَلَا مُنَافَاةَ.
[حِفْظُ الْوَدِيعَةِ فِي حِرْزِ مِثْلِهَا]
(وَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا) عُرْفًا كَسَرِقَةٍ، وَكَمَا يَحْفَظُ مَالَهُ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِأَدَائِهَا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحِفْظِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": مَنِ اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ عَاجِلًا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَإِلَّا ضَمِنَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْفَظْهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَإِنْ وَضَعَهَا فِي حِرْزٍ، ثُمَّ نَقَلَهَا عَنْهُ إِلَى حِرْزِ مِثْلِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا رَدَّ حِفْظَهَا إِلَى اجْتِهَادِهِ، فَلَوْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي بَيْتِ مَالِكِهَا، فَقَالَ الْآخَرُ: احْفَظْهَا فِي مَوْضِعِهَا، فَنَقَلَهَا عَنْهُ لِغَيْرِ خَوْفٍ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُودِعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ فِي حِفْظِهَا فِي مَوْضِعِهَا.
(وَإِنْ عَيَّنَ صَاحِبُهَا حِرْزًا فَجَعَلَهَا فِي دُونِهِ ضَمِنَ) سَوَاءٌ رَدَّهَا إِلَيْهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا حَفِظَهَا فِيمَا عَيَّنَهُ وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ غَيْرُ مُفَرِّطٍ (وَإِنْ أَحْرَزَهَا بِمِثْلِهِ أَوْ فَوْقِهِ) بِلَا حَاجَةٍ كَلُبْسِ خَاتَمٍ فِي خِنْصَرٍ، فَلَبِسَهُ فِي بِنْصَرٍ لَا عَكْسِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِهَذَا الْحِرْزِ يَقْتَضِي مَا هُوَ مِثْلُهُ، كَمَنِ اكْتَرَى لِزَرْعٍ حِنْطَةً، فَلَهُ زَرْعُهَا وَزَرْعُ مِثْلِهَا فِي الضَّرَرِ، فَمَا فَوْقَهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى (وَقِيلَ: يَضْمَنُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ.
وَحَكَاهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " رِوَايَةً. قَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: إِذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ صَاحِبِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَهَاهُ (إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ) كَمَا لَوْ خَافَ عَلَيْهَا مِنْ سَيْلٍ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute